(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)(١١٥)
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يريد بهما ناحيتي الأرض ، أي له الأرض كلها لا يختص به مكان ، دون مكان ، فإن منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام ، أو الأقصى فقد جعلت لكم الأرض مسجدا. (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) ففي أي مكان فعلتم التولية شطر القبلة (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي جهته التي أمر بها فإن إمكان التولية لا يختص بمسجد أو مكان. أو (فَثَمَ) ذاته : أي هو عالم مطلع بما يفعل فيه (إِنَّ اللهَ واسِعٌ) بإحاطته بالأشياء. أو برحمته يريد التوسعة على عباده (عَلِيمٌ) بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن كلها وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنها أنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة : وقيل : في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا إلى أنحاء مختلفة ، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم ، وعلى هذا لو أخطأ المجتهد ثم تبين له الخطأ لم يلزمه التدارك. وقيل ؛ هي توطئة لنسخ القبلة وتنزيه للمعبود أن يكون في حيز وجهة.
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ)(١١٦)
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) نزلت لما قال اليهود : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) ، والنصارى : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) ، ومشركوا العرب : الملائكة بنات الله ، وعطفه على قالت اليهود ، أو منع ، أو مفهوم قوله تعالى ومن أظلم. وقرأ ابن عامر بغير واو (سُبْحانَهُ) تنزيه له عن ذلك ، فإنه يقتضي التشبيه والحاجة وسرعة الفناء ، ألا ترى أن الأجرام الفلكية. مع إمكانها وفنائها. لما كانت باقية ما دام العالم ، لم تتخذ ما يكون لها كالولد اتخاذ الحيوان والنبات ، اختيارا أو طبعا. (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) رد لما قالوه ، واستدلال على فساده ، والمعنى أنه تعالى خالق ما في السموات والأرض ، الذي من جملته الملائكة وعزير والمسيح (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) منقادون لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه ، وكل ما كان بهذه الصفة لم يجانس مكونه الواجب لذاته : فلا يكون له ولد ، لأن من حق الولد أن يجانس والده ، وإنما جاء بما الذي لغير أولي العلم ، وقال قانتون على تغليب أولي العلم تحقيرا لشأنهم ، وتنوين كل عوض عن المضاف إليه ، أي كل ما فيهما. ويجوز أن يراد كل من جعلوه ولدا له مطيعون مقرون بالعبودية ، فيكون إلزاما بعد إقامة الحجة ، والآية مشعرة على فساد ما قالوه من ثلاثة أوجه ، واحتج بها الفقهاء على أن من ملك ولده عتق عليه ، لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك ، وذلك يقتضي تنافيهما.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١١٧)
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما ، ونظيره السميع في قوله :
أمن ريحانة الداعي السّميع |
|
يؤرّقني وأصحابي هجوع |
أو بديع سماواته وأرضه ، من بدع فهو بديع ، وهو حجة رابعة. وتقريرها أن الوالد عنصر الولد المنفعل بانفصال مادته عنه ، والله سبحانه وتعالى مبدع الأشياء كلها ، فاعل على الإطلاق ، منزه عن الانفعال ، فلا يكون والدا. والإبداع : اختراع الشيء لا عن الشيء دفعة ، وهو أليق بهذا الموضوع من الصنع الذي هو : تركيب الصور لا بالعنصر ، والتكوين الذي يكون بتغيير وفي زمان غالبا. وقرئ بديع مجرورا على البدل من الضمير في له. وبديع منصوبا على المدح.
(وَإِذا قَضى أَمْراً) أي أراد شيئا ، وأصل القضاء إتمام الشيء قوة كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ) ، أو فعلا كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ). وأطلق على تعلق الإرادة الإلهية بوجود الشيء من حيث إنه يوجبه. (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) من كان التامة بمعنى أحدث فيحدث ، وليس المراد به حقيقة أمر وامتثال ، بل