إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) المتفق على وجوده وألوهيته ووجوب عبادته ، وعد إسماعيل من آبائه تغليبا للأب والجد ، أو لأنه كالأب لقوله عليه الصلاة والسلام : «عم الرجل صنو أبيه». كما قال عليه الصلاة والسلام في العباس رضي الله عنه «هذا بقية آبائي». وقرئ «إله أبيك» ، على أنه جمع بالواو والنون كما قال :
ولما تبيّن أصواتنا |
|
بكين وفديننا بالأبينا |
أو مفرد وإبراهيم وحده عطف بيان.
(إِلهاً واحِداً) بدل من إله آبائك كقوله تعالى : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ). وفائدته التصريح بالتوحيد ، ونفي التوهم الناشئ من تكرير المضاف لتعذر العطف على المجرور والتأكيد ، أو نصب على الاختصاص (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) حال من فاعل نعبد ، أو مفعوله ، أو منهما ، ويحتمل أن يكون اعتراضا.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٣٤)
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) يعني إبراهيم ويعقوب وبينهما ، والأمة في الأصل المقصود وسمي بها الجماعة ، لأن الفرق تؤمها. (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) لكل أجر عمله ، والمعنى أن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم ، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم» (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم.
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١٣٥)
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) الضمير الغائب لأهل الكتاب وأو للتنويع ، والمعنى مقالتهم أحد هذين القولين. قالت اليهود كونوا هودا. وقال النصارى كونوا نصارى (تَهْتَدُوا) جواب الأمر. (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) أي بل تكون ملة إبراهيم ، أي أهل ملته ، أو بل نتبع ملة إبراهيم. وقرئ بالرفع أي ملته ملتنا ، أو عكسه ، أو نحن ملته بمعنى نحن أهل ملته. (حَنِيفاً) مائلا عن الباطل إلى الحق. حال من المضاف ، أو المضاف إليه كقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً). (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تعريض بأهل الكتاب وغيرهم ، فإنهم يدعون اتباعه وهم مشركون.
(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(١٣٦)
(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) الخطاب للمؤمنين لقوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ). (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) القرآن ، قدم ذكره لأنه أول بالإضافة إلينا ، أو سبب للإيمان بغيره (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) الصحف ، وهي وإن نزلت إلى إبراهيم لكنهم لما كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها فهي أيضا منزلة إليهم ، كما أن القرآن منزل إلينا ، وال. سباط جمع سبط وهو الحافد ، يريد به حفدة يعقوب ، أو أبناءه وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحاق (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) التوراة والإنجيل ، أفردهما بالذكر بحكم أبلغ لأن أمرهما بالإضافة إلى موسى وعيسى مغاير لما سبق ، والنزاع وقع فيهما (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ) جملة المذكورين منهم وغير المذكورين. (مِنْ رَبِّهِمْ) منزلا عليهم من ربهم. (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) كاليهود ، فنؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأحد لوقوعه في سياق النفي عام فساغ أن يضاف إليه بين. (وَنَحْنُ لَهُ) أي لله. (مُسْلِمُونَ) مذعنون مخلصون.