أحد وما ظلم ، بل أوضح السبل وأرسل الرسل ، فبلغوا ونصحوا. ولكن الذين كفروا حملهم الشقاء على اتباع الشهوات ، والإعراض عن الآيات ، فتشهدون بذلك على معاصريكم وعلى الذين من قبلكم ، أو بعدكم. روي «أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ، فيطالبهم الله ببينة التبليغ. وهو أعلم بهم. إقامة للحجة على المنكرين ، فيؤتى بأمة محمد صلىاللهعليهوسلم فيشهدون ، فتقول الأمم من أين عرفتم؟ فيقولون : علمنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق ، فيؤتى بمحمد صلىاللهعليهوسلم فيسأل عن حال أمته ، فيشهد بعدالتهم» وهذه الشهادة وإن كانت لهم لكن لما كان الرسول عليهالسلام كالرقيب المهيمن على أمته عدى بعلى ، وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم يكون الرسول شهيدا عليهم. (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) أي الجهة التي كنت عليها ، وهي الكعبة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي إليها بمكة ، ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفا لليهود. أو الصخرة لقول ابن عباس رضي الله عنهما (كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه فالمخبر به على الأول الجعل الناسخ ، وعلى الثاني المنسوخ. والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة ، وما جعلنا قبلتك بيت المقدس.
(إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) إلا لنمتحن به الناس ونعلم من يتبعك في الصلاة إليها ، ممن يرتد عن دينك إلفا لقبلة آبائه. أو لنعلم الآن من يتبع الرسول ممن لا يتبعه ، وما كان لعارض يزول بزواله. وعلى الأول معناه : ما رددناك إلى التي كنت عليها ، إلا لنعلم الثابت على الإسلام ممن ينكص على عقبيه لقلقه وضعف إيمانه. فإن قيل : كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالما. قلت : هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء ، والمعنى ليتعلق علمنا به موجودا. وقيل : ليعلم رسوله والمؤمنون لكنه أسنده إلى نفسه لأنهم خواصه ، أو لتميز الثابت من المتزلزل كقوله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) فوضع العلم موضع التمييز المسبب عنه ، ويشهد له قراءة ليعلم على البناء للمفعول ، والعلم إما بمعنى المعرفة ، أو معلق لما في من من معنى الاستفهام ، أو مفعوله الثاني ممن ينقلب ، أي لنعلم من يتبع الرسول متميزا ممن ينقلب. (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفاصلة. وقال الكوفيون هي النافية واللام بمعنى إلا. والضمير لما دل عليه قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) من الجعلة ، أو الردة ، أو التولية ، أو التحويلة ، أو القبلة. وقرئ «لكبيرة» بالرفع فتكون كان زائدة (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) إلى حكمة الأحكام الثابتين على الإيمان والاتباع (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أي ثباتكم على الإيمان. وقيل : إيمانكم بالقبلة المنسوخة ، أو صلاتكم إليها لما روي : أنه عليهالسلام لما وجه إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات يا رسول الله قبل التحويل من إخواننا فنزلت (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) فلا يضيع أجورهم ولا يدع صلاحهم ، ولعله قدم الرؤوف وهو أبلغ محافظة على الفواصل وقرأ الحرميان وابن عامر وحفص لرؤوف بالمد ، والباقون بالقصر.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٤٤)
(قَدْ نَرى) ربما نرى (تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) تردد وجهك في جهة السماء تطلعا للوحي ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقع في روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم ، وأقدم القبلتين وأدعى للعرب إلى الإيمان ، ولمخالفة اليهود ، وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) فلنمكننك من استقبالها من قولك : وليته كذا ، إذا صيرته واليا له ، أو فلنجعلنك تلي جهتها (تَرْضاها) تحبها وتتشوق إليها ، لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله وحكمته. (فَوَلِّ وَجْهَكَ) اصرف وجهك. (شَطْرَ