مساقها. وقيل الحجة بمعنى الاحتجاج. وقيل الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأسا كقوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
للعلم بأن الظالم لا حجة له ، وقرئ : «ألا الذين ظلموا منهم». على أنه استئناف بحرف التنبيه. (فَلا تَخْشَوْهُمْ) فلا تخافوهم ، فإن مطاعنهم لا تضركم. (وَاخْشَوْنِي) فلا تخالفوا ما أمرتكم به. (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) علة محذوف أي وأمرتكم لإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتدائكم ، أو عطف على علة مقدرة مثل : واخشوني لأحفظكم منهم ولأتم نعمتي عليكم ، أو لئلا يكون وفي الحديث «تمام النعمة دخول الجنة». وعن علي رضي الله تعالى عنه «تمام النعمة الموت على الإسلام».
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)(١٥٢)
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) متصل بما قبله ، أي ولأتم نعمتي عليكم في أمر القبلة ، أو في الآخرة كما أتممتها بإرسال رسول منكم ، أو بما بعده كما ذكرتكم بالإرسال فاذكروني. (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ) يحملكم على ما تصيرون به أزكياء ، قدمه باعتبار القصد وأخره في دعوة إبراهيم عليهالسلام باعتبار الفعل (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) بالفكر والنظر ، إذ لا طريق إلى معرفته سوى الوحي ، وكرر الفعل ليدل على أنه جنس آخر.
(فَاذْكُرُونِي) بالطاعة. (أَذْكُرْكُمْ) بالثواب. (وَاشْكُرُوا لِي) ما أنعمت به عليكم. (وَلا تَكْفُرُونِ) يجحد النعم وعصيان الأمر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)(١٥٤)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) عن المعاصي وحظوظ النفس ، (وَالصَّلاةِ) التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين ، ومناجاة رب العالمين. (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر وإجابة الدعوة. (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) أي هم أموات (بَلْ أَحْياءٌ) أي بل هم أحياء. (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ما حالهم ، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات ، وأنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي ، وعن الحسن (إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح ، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع). والآية نزلت في شهداء بدر ، وكانوا أربعة عشر ، وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت داركة ، وعليه جمهور الصحابة والتابعين ، وبه نطقت الآيات والسنن ، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى ، ومزيد البهجة والكرامة.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(١٥٥)
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ولنصيبنكم إصابة من يختبر لأحوالكم ، هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء؟
(بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) أي بقليل من ذلك ، وإنما قلله بالإضافة إلى ما وقاهم منه ليخفف عليهم ، ويريهم أن رحمته لا تفارقهم ، أو بالنسبة إلى ما يصيب به معانديهم في الآخرة ، وإنما أخبرهم به قبل وقوعه ليوطنوا عليه نفوسهم (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) عطف شيء ، أو الخوف ، وعن الشافعي رضي