ثانيا : التعريف بأنوار التنزيل وطريقة مؤلّفه فيه (١)
تفسير العلامة البيضاوي ، تفسير متوسط الحجم ، جمع فيه صاحبه بين التفسير والتأويل ، على مقتضى قواعد اللغة العربية ، وقرر فيه الأدلة على أصول أهل السنة.
وقد اختصر البيضاوي تفسيره من «الكشاف» للزمخشري.
ولكنه ترك ما فيه من اعتزالات ، وإن كان أحيانا يذهب إلى ما ذهب إليه صاحب «الكشاف».
ومن ذلك أنه عند ما فسر قوله تعالى في الآية (٢٧٥) من سورة البقرة : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٧٥) ... الآية ، وجدناه يقول : «إلّا قياما كقيام المصروع ، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع» .. ثم يفسّر المس بالجنون ويقول «وهذا أيضا من زعماتهم أن الجني يمس الرجل فيختلط عقله».
ولا شك أن هذا موافق لما ذهب إليه الزمخشري من أن الجن لا تسلّط لها على الإنسان إلا بالوسوسة والإغواء.
كما أننا نجد البيضاوي قد وقع فيما وقع فيه صاحب «الكشاف» ، من ذكره في نهاية كل سورة حديثا في فضلها وما لقارئها من الثواب والأجر عند الله ، وقد عرفنا قيمة هذه الأحاديث ، وقلنا إنها موضوعة باتفاق أهل الحديث ، ولست أعرف كيف اغتربها البيضاوي فرواها وتابع الزمخشري في ذكرها عند آخر تفسيره لكل سورة ، مع ما له من مكانة علمية ، وسيأتي اعتذار بعض الناس عنه في ذلك ، وإن كان اعتذارا ضعيفا ، لا يكفي لتبرير هذا العمل الذي لا يليق بعالم كالبيضاوي له قيمته ومكانته.
* استمد البيضاوي تفسيره من التفسير الكبير المسمى «بمفاتيح الغيب» للفخر الرازي ، ومن تفسير الراغب الأصفهاني.
وضم لذلك بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين.
كما أنه أعمل فيه عقله ، فضمنه نكتا بارعة ، ولطائف رائعة ، واستنباطات دقيقة ، كل هذا في أسلوب رائع موجز ، وعبارة تدق أحيانا وتخفى إلّا على ذي بصيرة ثاقبة ، وفطنة نيرة.
* وهو يهتم أحيانا بذكر القراءات ، ولكنه لا يلتزم المتواتر منها فيذكر الشاذ.
* كما أنه يعرض للصناعة النحوية.
ولكن بدون توسع واستفاضة.
* كما أنه يتعرض عند آيات الأحكام لبعض المسائل الفقهية بدون توسع منه في ذلك :
وإن كان يظهر لنا أنه يميل غالبا لتأييد مذهبه وترويجه ، فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى في الآية (٢٢٨) من سورة البقرة (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) يقول ما نصه : وقروء جمع قرء ، وهو يطلق للحيض
__________________
(١) اقتبسنا هذا من كلام الدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» (١ / ٢٩٦) وما بعدها.