كقوله عليه الصلاة والسلام : دعي الصلاة أيام أقرائك ، وللطهر الفاصل بين الحيضتين ، كقول الأعشى :
مورثة مالا وفي الحي رفعة |
|
لما ضاع فيها من قروء نائكا |
وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض ، وهو المراد في الآية ؛ لأنه الدال على براءة الرحم لا الحيض كما قاله الحنفية ، لقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] أي وقت عدتهن ، والطلاق المشروع لا يكون في الحيض.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ، فلا يقاوم ما رواه الشيخان في قصة ابن عمر : مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء ... إلخ.
* كذلك نجد البيضاوي كثيرا ما يقرر مذهب أهل السنة :
عند ما يعرض لتفسير آية لها صلة بنقطة من نقط النزاع بينهم وبين مذهب المعتزلة.
فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى في الآيتين (٢ ، ٣) من سورة البقرة (... هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣) نراه يعرض لبيان معنى الإيمان والنفاق عند أهل السنة والمعتزلة والخوارج ، بتوسع ظاهر ، وترجيح منه لمذهب أهل السنة.
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى في أول سورة البقرة أيضا : (... وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٣] نراه يتعرض للخلاف الذي بين أهل السنة والمعتزلة فيما يطلق عليه اسم الرزق ، ويذكر وجهة نظر كل فريق ؛ مع ترجيحه لمذهب أهل السنة.
* والبيضاوي رحمهالله مقلّ جدا من ذكر الروايات الإسرائيلية :
وهو يصدر الرواية بقوله : روي أو قيل ، إشعارا منه بضعفها.
فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى في الآية : (٢٢) من سورة النمل (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٢٢) [النمل : ٢٢] يقول بعد فراغه من تفسيرها : روي أنه عليهالسلام لما أتمّ بناء بيت المقدس تجهز للحج. إلخ القصة التي يقف البيضاوي بعد روايتها موقف المجوز لها. غير القاطع بصحتها ، حيث يقول ما نصه «ولعل في عجائب قدرة لله وما خص به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك ، يستكبرها من يعرفها ، ويستنكرها من ينكرها».
* ثم إن البيضاوي إذا عرض للآيات الكونية ، فإنه لا يتركها بدون أن يخوض في مباحث الكون والطبيعة ولعل هذه الظاهرة سرت إليه من طريق «التفسير الكبير» للفخر الرازي ، الذي استمد منه كما قلنا.
فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُ ... شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات : ١٠] نراه يعرض لحقيقة الشهاب فيقول : الشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض. ثم يرد على من يخالف ذلك فيقول : وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين ، إن صح لم يناف ذلك ..» إلى آخر كلامه في هذا الموضوع.
قال البيضاوي نفسه في مقدمة «تفسيره» هذا بعد الديباجة ما نصه :
«... ولطالما أحدّث نفسي بأن أصنف في هذا الفن ـ يعني التفسير ـ كتابا يحتوي على صفوة ما بلغني من عظماء الصحابة ، وعلماء التابعين ومن دونهم من السّلف الصالحين ، وينطوي على نكات بارعة ، ولطائف رائعة ، استنبطتها أنا ومن قبلي من أفاضل المتأخرين ، وأماثل المحققين ، ويعرب عن وجوه القراءات المشهورة المعزية إلى الأئمة الثمانية المشهورين ، والشواذ المروية عن القراء المعتبرين ، إلا أن قصور بضاعتي يثبطني عن الإقدام ، ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام ، حتى سنح لي بعد الاستخارة ما صمم به عزمي على