نعم يا رسول الله قال : احلق وصم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق على ستة مساكين أو انسك شاة» والفرق ثلاثة آصع (فَإِذا أَمِنْتُمْ) الإحصار. أو كنتم في حال سعة وأمن. (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) فمن استمتع وانتفع بالتقرب إلى الله بالعمرة قبل الانتفاع بتقربه بالحج في أشهره. وقيل : فمن استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحج. (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعليه دم استيسره بسبب التمتع ، فهو دم جبر أن يذبحه إذا أحرم بالحج ولا يأكل منه. وقال أبو حنيفة رحمهالله تعالى ، إنه ندم نسك فهو كالأضحية (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي الهدي. (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل. قال أبو حنيفة رحمهالله في أشهره بين الإحرامين ، والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه. ولا يجوز صوم يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثرين. (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) إلى أهليكم وهو أحد قولي الشافعي رضي الله تعالى عنه ، أو نفرتم وفرغتم من أعماله وهو قوله الثاني ومذهب أبي حنيفة رحمهالله تعالى. وقرئ «سبعة» بالنصب عطفا على محل (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ). (تِلْكَ عَشَرَةٌ) فذلكة الحساب ، وفائدتها أن لا يتوهم متوهم أن الواو بمعنى أو ، كقولك جالس الحسن وابن سيرين. وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا فإن أكثر العرب لم يحسنوا الحساب ، وأن المراد بالسبعة هو العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما (كامِلَةٌ) صفة مؤكدة تفيد المبالغة في محافظة العدد ، أو مبينة كمال العشرة فإنه أول عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد وتتم مراتبها ، أو مقيدة تقيد كمال بدليتها من الهدي. (ذلِكَ) إشارة إلى الحكم المذكور عندنا. والتمتع عند أبي حنيفة رحمهالله تعالى لأنه لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده ، فمن فعل ذلك أي التمتع منهم فعليه دم جناية. (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا ، فإن من كان على أقل فهو مقيم في الحرم ، أو في حكمه. ومن مسكنه وراء الميقات عنده وأهل الحل عند طاوس وغير المكي عند مالك. (وَاتَّقُوا اللهَ) في المحافظة على أوامره ونواهيه وخصوصا في الحج (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن لم يتقه كي يصدكم العلم به عن العصيان.
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١٩٧)
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ) أي وقته. كقولك البرد شهران. (مَعْلُوماتٌ) معروفات وهي : شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة بليلة النحر عندنا ، والعشر عند أبي حنيفة رحمهالله تعالى. وذي الحجة كله عند مالك. وبناء على الخلاف على أن المراد بوقته وقت إحرامه ، أو وقت أعماله ومناسكه ، أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقا ، فإن مالكا كره العمرة في بقية ذي الحجة. وأبو حنيفة رحمهالله وإن صحح الإحرام به قبل شوال فقد استكرهه. وإنما سمي شهران وبعض شهر أشهرا إقامة للبعض مقام الكل ، أو إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد. (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهن عندنا ، أو بالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة رحمهالله تعالى وهو دليل على ما ذهب إليه الشافعي رحمهالله تعالى وأن من أحرم بالحج لزمه الإتمام. (فَلا رَفَثَ) فلا جماع ، أو فلا فحش من الكلام. (وَلا فُسُوقَ) ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات. (وَلا جِدالَ) ولا مراء مع الخدم والرفقة. (فِي الْحَجِ) في أيامه ، نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون ، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحج أقبح كلبسة الحرير في الصلاة. والتطريب بقراءة القرآن لأنه خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأولين بالرفع على معنى : لا يكونن رفث ولا فسوق. والثالث بالفتح على معنى الإخبار بانتفاء الخلاف في الحج ، وذلك أن قريشا كانت تحالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام ، فارتفع الخلاف بأن أمروا أن يقعوا أيضا بعرفة. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) حث على الخير