وأما الوجه الذي تفرد فيه ، وظن بعضهم أنه مما لا ينبغي أن يكون من الوجوه التفسيرية السنية ، كقوله : وحمل الملائكة العرش وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له (١) ، ونحوه ، فهو ظن من لعله يقصر فهمه عن تصور مبانيه ، ولا يبلغ علمه إلى الإحاطة بما فيه ، فمن اعترض بمثله على كلامه كأنه ينصب الحبالة للعنقاء ، ويروم أن يقنص نسر السماء ؛ لأنه مالك زمام العلوم الدينية ، والفنون اليقينية ، على مذهب أهل السنة والجماعة.
وقد اعترفوا له قاطبة بالفضل المطلق ، وسلموا إليه قصب السبق ، فكان تفسيره يحتوي فنونا من العلم وعرة المسالك ، وأنواعا من القواعد المختلفة الطرائق ، وقل من برز في فن إلّا وصده عن سواه وشغله ، والمرء عدوّ لما جهله ، فلا يصل إلى مرامه إلا من نظر إليه بعين فكره ، وأعمى عين هواه ، واستعبد نفسه في طاعة مولاه ، حتى يسلم من الغلط والزلل ، ويقتدر على رد السفسطة والجدل.
وأما أكثر الأحاديث التي أوردها في أواخر السور ، فإنه لكونه ممن صفت مرآة قلبه ، وتعرض لنفحات ربّه ، تسامح فيه ، وأعرض عن أسباب التجريح والتعديل ، ونحا نحو الترغيب والتأويل ، عالما بأنها مما فاه صاحبه بزور ، ودلى بغرور.
ثم إن هذا الكتاب رزق من عند الله سبحانه وتعالى بحسن القبول عند جمهور الأفاضل والفحول ، فعكفوا عليه بالدرس والتحشية ، فمنهم من علق تعليقه على سورة منه ، ومنهم من حشى تحشية تامة ، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه» (٢) انتهى.
وأشهر هذه الحواشي وأكثرها تداولا ونفعا : «حاشية قاضي زاده» ، و«حاشية الشهاب الخفاجي» ، و«حاشية القونوي».
وجملة القول ، فالكتاب من أمهات كتب التفسير ، التي لا يستغني عنها من يريد أن يفهم كلام الله تعالى.
__________________
(١) انظر تفسير البيضاوي عند قوله تعالى في الآية (٧) من سورة غافر (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ...) الآية».
(٢) «كشف الظنون» : لحاجي خليفة (١ / ١٨٧ ـ ١٨٨).