الكتاب لما روي (أن أنصاريا كان له ابنان تنصرا قبل المبعث ، ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا ، فاختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : الأنصاري يا رسول الله أيدخل بعقبي النار وأنا أنظر إليه فنزلت فخلاهما). (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) بالشيطان ، أو الأصنام ، أو كل ما عبد من دون الله ، أو صد عن عبادة الله تعالى. فعلوت من الطغيان قلبت عينه ولامه. (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) بالتوحيد وتصديق الرسل. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) طلب الإمساك عن نفسه بالعروة الوثقى من الحبل الوثيق ، وهي مستعارة لمتمسك الحق من النظر الصحيح والرأي القويم. (لَا انْفِصامَ لَها) لا انقطاع لها يقال فصمته فانفصم إذا كسرته. (وَاللهُ سَمِيعٌ) بالأقوال (عَلِيمٌ) بالنيات ، ولعله تهديد على النفاق.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢٥٧)
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) محبهم ، أو متولي أمورهم ، والمراد بهم من أراد إيمانه وثبت في علمه أنه يؤمن. (يُخْرِجُهُمْ) بهدايته وتوفيقه. (مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمات الجهل واتباع الهوى وقبول الوساوس والشبه المؤدية إلى الكفر. (إِلَى النُّورِ) إلى الهدى الموصل إلى الإيمان ، والجملة خبر بعد خبر ، أو حال من المستكن في الخبر ، أو من الموصول ، أو منهما ، أو استئناف مبين ، أو مقرر للولاية. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) أي الشياطين ، أو المضلات من الهوى والشيطان وغيرهما. (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) من النور الذي منحوه بالفطرة ، إلى الكفر وفساد الاستعداد والانهماك في الشهوات ، أو من نور البينات إلى ظلمات الشكوك والشبهات. وقيل : نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام ، وإسناد الإخراج إلى الطاغوت باعتبار التسبب لا يأبى تعلق قدرته تعالى وإرادته به. (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وعيد وتحذير ، ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين تعظيم لشأنهم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) تعجيب من محاجة نمروذ وحماقته. (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) لأن آتاه أي أبطره إيتاء الملك وحمله على المحاجة ، أو حاج لأجله شكرا له على طريقة العكس كقولك عاديتني لأني أحسنت إليك ، أو وقت أن آتاه الله الملك وهو حجة على من منع إيتاء الله الملك الكافر من المعتزلة. (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) ظرف ل «حاجّ» ، أو بدل من (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) على الوجه الثاني. (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) بخلق الحياة والموت في الأجساد. وقرأ حمزة «رب» بحذف الياء. (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) بالعفو عن القتل والقتل. وقرأ نافع «أنا» بلا ألف. (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) أعرض إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه على نحو هذا التمويه دفعا للمشاغبة ، وهو في الحقيقة عدول عن مثال خفي إلى مثال جلي من مقدوراته التي يعجز عن الإتيان بها غيره ، لا عن حجة إلى أخرى. ولعل نمروذ زعم أنه يقدر أن يفعل كل جنس يفعله الله فنقضه إبراهيم بذلك ، وإنما حمله عليه بطر الملك وحماقته ، أو اعتقاد الحلول. وقيل لما كسر إبراهيم عليه الصلاة والسلام الأصنام سجنه أياما ثم أخرجه ليحرقه ، فقال له من ربك الذي تدعو إليه وحاجه فيه. (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) فصار مبهوتا. وقرئ «فبهت» أي فغلب إبراهيم الكافر. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)