«تغمضوا» أي تحملوا على الإغماض ، أو توجدوا مغمضين. وعن ابن عباس رضي الله عنه : كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن إنفاقكم ، وإنما يأمركم به لانتفاعكم. (حَمِيدٌ) بقبوله وإثابته.
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٦٨)
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) في الإنفاق ، والوعد في الأصل شائع في الخير والشر. وقرئ (الْفَقْرَ) بالضم والسكون وبضمتين وفتحتين. (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) ويغريكم على البخل ، والعرب تسمي البخيل فاحشا. وقيل المعاصي (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) أي يعدكم في الإنفاق مغفرة لذنوبكم. (وَفَضْلاً) خلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا ، أو في الآخرة. (وَاللهُ واسِعٌ) أي واسع الفضل لمن أنفق. (عَلِيمٌ) بإنفاقه.
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٦٩)
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) تحقيق العلم وإتقان العلم. (مَنْ يَشاءُ) مفعول أول أخر للاهتمام بالمفعول الثاني (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) بناؤه للمفعول لأنه المقصود. وقرأ يعقوب بالكسر أي ومن يؤته الله الحكمة. (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) أي : أيّ خير كثير؟ إذ حيز له خير الدارين. (وَما يَذَّكَّرُ) وما يتعظ بما قص من الآيات ، أو ما يتفكر ، فإن المتفكر كالمتذكر لما أودع الله في قلبه من العلوم بالقوة. (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم والركون إلى متابعة الهوى.
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(٢٧٢)
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) قليلة أو كثيرة ، سرا أو علانية ، في حق أو باطل. (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) بشرط أو بغير شرط ، في طاعة أو معصية. (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) فيجازيكم عليه. (وَما لِلظَّالِمِينَ) الذين ينفقون في المعاصي وينذرون فيها ، أو يمنعون الصدقات ولا يوفون بالنذر. (مِنْ أَنْصارٍ) من ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) فنعم شيئا إبداؤها. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل. وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وقالون بكسر النون وسكون العين ، وروي عنهم بكسر النون وإخفاء حركة العين وهو أقيس. (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) أي تعطوها مع الإخفاء. (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فالإخفاء خير لكم ، وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال فإن إبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التهمة عنه. عن ابن عباس رضي الله عنهما (صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا). (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء أي والله يكفر أو الإخفاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش ويعقوب بالنون مرفوعا على أنه جملة فعلية مبتدأة أو اسمية معطوفة على ما بعد الفاء أي : ونحن نكفر. وقرأ نافع وحمزة والكسائي به مجزوما على محل الفاء وما بعده. وقرئ بالتاء مرفوعا ومجزوما والفعل للصدقات. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ترغيب في الإسرار.