لا تحصى كما قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) تنحصر في جنسين : دنيوي وأخروي.
والأول قسمان : موهبي وكسبي والموهبي قسمان : روحاني كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوى كالفهم والفكر والنطق ، وجسماني كتخليق البدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء والكسبي تزكية النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق السنية والملكات الفاضلة ، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلي المستحسنة وحصول الجاه والمال.
والثاني : أن يغفر له ما فرط منه ويرضى عنه ويبوئه في أعلى عليين مع الملائكة المقربين أبد الآبدين. والمراد هو القسم الأخير وما يكون وصلة إلى نيله من الآخرة فإن ما عدا ذلك يشترك فيه المؤمن والكافر.
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) بدل من (الَّذِينَ) على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال. أو صفة له مبينة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال وذلك إنما يصح بأحد تأويلين ، إجراء الموصول مجرى النكرة إذا لم يقصد به معهود كالمحلي في قوله :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني
وقولهم : إني لأمر على الرجل مثلك فيكرمني. أو جعل غير معرفة بالإضافة لأنه أضيف إلى ماله ضد واحد وهو المنعم عليهم ، فيتعين تعين الحركة من غير السكون.
وعن ابن كثير نصبه على الحال من الضمير المجرور والعامل أنعمت. أو بإضمار أعني. أو بالاستثناء إن فسر النعم بما يعم القبيلين ، والغضب : ثوران النفس إرادة الانتقام ، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية على ما مر ، وعليهم في محل الرفع لأنه نائب مناب الفاعل بخلاف الأول ، ولا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي ، فكأنه قال : لا المغضوب عليهم ولا الضالين ، ولذلك جاز أنا زيدا غير ضارب ، كما جاز أنا زيدا لا ضارب ، وإن امتنع أنا زيدا مثل ضارب ، وقرئ «وغير الضالين» والضلال : العدول عن الطريق السوي عمدا أو خطأ ، وله عرض عريض والتفاوت ما بين أدناه وأقصاه كثير.
قيل : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود لقوله تعالى فيهم : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ). و (الضَّالِّينَ) النصارى لقوله تعالى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً). وقد روي مرفوعا ، ويتجه أن يقال : المغضوب عليهم العصاة والضالين الجاهلون بالله ، لأن المنعم عليه من وفق للجمع بين معرفة الحق لذاته والخير للعمل به ، وكان المقابل له من اختل إحدى قوتيه العاقلة والعاملة. والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمدا (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ). والمخل بالعقل جاهل ضال لقوله : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ). وقرئ : ولا «الضألين» بالهمزة على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين.
ـ آمين ـ اسم الفعل الذي هو استجب. وعن ابن عباس قال سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن معناه فقال : «افعل بني على الفتح كأين لالتقاء الساكنين» ، وجاء مد ألفه وقصرها قال :
ويرحم الله عبدا قال آمينا
وقال :
أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وليس من القرآن وفاقا ، لكن يسن ختم السورة به لقوله عليه الصلاة والسلام «علمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة وقال إنه كالختم على الكتاب». وفي معناه قول علي رضي الله عنه : آمين خاتم رب العالمين ، ختم به دعاء عبده. يقوله الإمام ويجهر به في الجهرية لما روي عن وائل بن حجر «أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته».