وتذكيره ، متى أريد ب (الم) السورة لتذكير الكتاب فإنه خبره أو صفته الذي هو هو ، أو إلى الكتاب فيكون صفته والمراد به الكتاب الموعود إنزاله بنحو قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً). أو في الكتب المتقدمة. وهو مصدر سمي به المفعول للمبالغة.
وقيل فعال بمعنى المفعول كاللباس ، ثم أطلق على المنظوم عبارة قبل أن يكتب لأنه مما يكتب. وأصل الكتب الجمع ومنه الكتيبة.
(لا رَيْبَ فِيهِ) معناه أنه لوضوحه وسطوع برهانه بحيث لا يرتاب العاقل بعد النظر الصحيح في كونه وحيا بالغا حد الإعجاز ، لا أن أحدا لا يرتاب فيه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا). الآية فإنه ما أبعد عنهم الريب بل عرفهم الطريق المريح له ، وهو أن يجتهدوا في معارضة نجم من نجومه ويبذلوا فيها غاية جهدهم حتى إذا عجزوا عنها تحقق لهم أن ليس فيه مجال للشبهة ولا مدخل للريبة.
وقيل : معناه لا ريب فيه للمتقين. وهدى حال من الضمير المجرور ، والعامل فيه الظرف الواقع صفة للمنفي. والريب في الأصل مصدر رابني الشيء إذا حصل فيك الريبة ، وهي قلق النفس واضطرابها ، سمي به الشك لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة. وفي الحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فإن الشك ريبة والصدق طمأنينة ، ومنه ريب الزمان لنوائبه.
(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) يهديهم إلى الحق ، والهدى في الأصل مصدر كالسرى والتقى ومعناه الدلالة.
وقيل : الدلالة الموصلة إلى البغية لأنه جعل مقابل الضلالة في قوله تعالى : (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ولأنه لا يقال مهدي إلا لمن اهتدى إلى المطلوب. واختصاصه بالمتقين لأنهم المهتدون به والمنتفعون بنصه ، وإن كانت دلالته عامة لكل ناظر من مسلم أو كافر وبهذا الاعتبار قال تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ). أو لأنه لا ينتفع بالتأمل فيه إلا من صقل العقل واستعمله في تدبر الآيات والنظر في المعجزات ، وتعرف النبوات ، لأنه كالغذاء الصالح لحفظ الصحة فإنه لا يجلب نفعا ما لم تكن الصحة حاصلة ، وإليه أشار بقوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً). ولا يقدح ما فيه من المجمل والمتشابه في كونه هدى لما لم ينفك عن بيان يعين المراد منه.
والمتقي اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى. والوقاية : فرط الصيانة. وهو في عرف الشرع اسم لمن يقي نفسه مما يضره في الآخرة ، وله ثلاث مراتب : الأولى : التوقي من العذاب المخلد بالتبري من الشرك وعليه قوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى).
الثانية : التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع ، وهو المعني بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا).
الثالثة : أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشراشره وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) وقد فسر قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) هاهنا على الأوجه الثلاثة.
واعلم أن الآية تحتمل أوجها من الإعراب : أن يكون (الم) مبتدأ على أنه اسم للقرآن. أو السورة. أو مقدر بالمؤلف منها ، وذلك خبره وإن كان أخص من المؤلف مطلقا ، والأصل أن الأخص لا يحمل على الأعم لأن المراد به المؤلف الكامل في تأليفه البالغ أقصى درجات الفصاحة ومراتب البلاغة والكتاب صفة ذلك.
وأن يكون (الم) خبر مبتدأ محذوف و (ذلِكَ) خبرا ثانيا. أو بدلا و (الْكِتابُ) صفته ، و (لا رَيْبَ) في المشهورة مبني لتضمنه معنى من منصوب المحل على أنه اسم لا النافية للجنس العاملة عمل إنّ ، لأنها