عليهالسلام. وقيل هم عبدة الملائكة. وقيل عبدة الكواكب ، وهو إن كان عربيا فمن صبأ إذا خرج. وقرأ نافع وحده بالياء إما لأنه خفف الهمزة وأبدلها ياء ، أو لأنه من صبأ إذا مال لأنهم مالوا عن سائر الأديان إلى دينهم ، أو من الحق إلى الباطل.
(مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ. مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد ، عاملا بمقتضى شرعه. وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ، ودخل في الإسلام دخولا صادقا : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الذي وعد لهم على إيمانهم وعملهم. (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حين يخاف الكفار من العقاب ، ويحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب. و (مَنْ) مبتدأ خبره (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) والجملة خبر إن ، أو بدل من اسم إن وخبرها (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) والفاء لتضمن المسند إليه معنى الشرط ، وقد منع سيبويه دخولها في خبر إن من حيث إنها لا تدخل الشرطية ، ورد بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ).
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٦٤)
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) باتباع موسى والعمل بالتوراة. (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) حتى أعطيتم الميثاق ، روي أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم وأبوا قبولها ، فأمر جبريل عليهالسلام فقلع الطور فظلله فوقهم حتى قبلوا. (خُذُوا) على إرادة القول : (ما آتَيْناكُمْ) من الكتاب (بِقُوَّةٍ) بجد وعزيمة. (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ادرسوه ولا تنسوه ، أو تفكروا فيه فإنه ذكر بالقلب ، أو اعملوا به. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لكي تتقوا المعاصي ، أو رجاء منكم أن تكونوا متقين. ويجوز عند المعتزلة أن يتعلق بالقول المحذوف ، أي : قلنا خذوا واذكروا إرادة أن تتقوا.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أعرضتم عن الوفاء بالميثاق بعد أخذه. (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتوفيقكم للتوبة ، أو بمحمد صلىاللهعليهوسلم يدعوكم إلى الحق ويهديكم إليه. (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المغبونين بالانهماك في المعاصي ، أو بالخبط والضلال في فترة من الرسل. ولو في الأصل لامتناع الشيء لامتناع غيره ، فإذا دخل على لا أفاد إثباتا وهو امتناع الشيء لثبوت غيره ، والاسم الواقع بعده عند سيبويه مبتدأ خبره واجب الحذف لدلالة الكلام عليه وسد الجواب مسده ، وعند الكوفيين فاعل فعل محذوف.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(٦٦)
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) اللام موطئة لقسم ، والسبت مصدر قولك سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت ، وأصله القطع أمروا بأن يجردوه للعبادة فاعتدى فيه ناس منهم في زمن داود عليهالسلام ، واشتغلوا بالصيد ، وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية على ساحل يقال لها أيلة ، وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حضر هناك وأخرج خرطومه ، فإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وشرعوا إليها الجداول وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد. (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) جامعين بين صورة القردة والخسوء : وهو الصغار والطرد ، وقال مجاهد ما مسخت صورهم ولكن قلوبهم ، فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) وقوله : (كُونُوا) ليس بأمر إذ لا قدرة لهم عليه ، وإنما المراد به سرعة التكوين ، وأنهم صاروا كذلك كما أراد بهم ، وقرئ «قردة» بفتح القاف وكسر الراء ، و«خاسين» بغير همزة.