إنَّ أفعالاً من هذا القبيل ليست صعبة بالنسبة لله ؛ فإنَّ الله ما إن قال لشيء (كُنْ فَيَكُونُ) (١) إنَّ الخلق عند الله لا يفرق فيه بين الصغير والكبير والصعب والسهل.
إنَّ الله إذا اراد أنْ يَخلق عالماً كعالمنا الحالي بمجراته ونجومه ـ الذي كشفت الاحصائيات والاكتشافات العلمية عن سعته وعظمته ـ فإنَّه سينخلق بمجرد أنْ يأمر.
إنّ الإنسان عند الصلاة إذا تصور امامه خالقاً بهذه القدرة والعظمة وشعر بأنَّه (لا شيء) يتحدث مع (كل شيء) لكانت صلاته وحالاته فيها تختلف بالكامل.
قدرة الله في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام
تحدث الامام علي عليهالسلام في الخطبة ١٨٥ من نهج البلاغة عن قدرة الله وأشار اليها بجمل جميلة كما نرى هنا : «لو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ولكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه واتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ..» ، ثم يتعرض إلى خلق النملة وظرافة ما تحتويه هذه الخلقة.
من الحجب التي تحول دون التفات الإنسان إلى عجيب الخلقة ، هو حجاب العادة ، وذلك لأنَّ العادة تنسي الإنسان عظمة الشيء. فالنملة ، مثلاً ، اصبحت عادية باعتبار كثرتها وتعوّدنا على رؤيتها ، الأمر الذي يجعل الإنسان غافلاً عن عظمة خلقها ، وهي إذا قيست مع أهم صناعات الإنسان لاتضحت عظمتها.
إنَّ صناعة الطائرة صناعة تعتمد تقنية متقدمة جداً ، فهي تحمل في الفضاء أناساً وسلعاً ، ولها اجزاء مختلفة تشبه المدينة الصغيرة.
وهذه الطائرة ـ التي تكشف عن ذورة التقنية والصناعة البشرية ـ إذا قيست بالنملة ـ التي هي من اصغر صناعات قدرة الله اللامتناهية ـ لكانت النملة اكثر عظمة من الطائرة ؛ وذلك لأنَّ النملة تضم كل شيء رغم جثتها الصغيرة والنحيفة ، ففيها أجهزة من قبيل : الباصرة
__________________
(١) تكرر مضمون هذه الآية في ثمان آيات من القرآن.