باء ـ المراد من ذلك هو الانفاق والبذل الذي يصدر من المسلمين المترائين لأجل بناء المساجد والحسينيات والمستشفيات والمستوصفات والجسور والطرق وما شابه ذلك ، فهي إنفاقات ذات دوافع غير إلهية ، وتنمُّ عن دوافع مثل المباهاة وجلب رضاء الناس لأجل الفائدة الأكبر في المستقبل. إنَّ إنفاق هؤلاء مثل الأرض الزراعية الخصبة ، ونية المنفقين غير الخالصة مثل الريح الصر.
جيم ـ المراد منه هو الانفاق الذي يقترن مع المنِّ والإيذاء ، فهو في الظاهر إنفاق وفي الواقع إذهاب لماء وجه الآخرين وسلب اعتبارهم. فالإنفاق آنذاك كالأرض الزراعية ، أما المن والأذى فبمثابة الريح الصر فأنها تُبطل الانفاق ، كما أن لها أضراراً دنيوية ، وذلك لأنّه فقد ماله اضافة إلى انّه ارتكب ذنباً عليه عقاب. (١)
٢ ـ الإنتقام من كافر النعمة
يستفاد من الآية وآيات اخرى من القرآن المجيد أن الله ينتقم في كثير من الحالات من الذين يكفرون بنعمه ويطغون ، فيجعل النعم وسيلة لعذابهم ويبدّلها إلى نِقمٍ (أي الموت في قلب الحياة).
كمثال على ذلك ، الله أباد قوم نوح بواسطة المطر والطوفان ، مع أنّ المطر قطرات تمنح الحياة لمن تصله ، وهو من أكبر نعم الله تعالى على هذا القوم.
إنّ الغيث إذا لم ينزل ينتهي كل شيء على وجه الأرض ، فهو نعمة لكنه تبدّل إلى مصيبة على قوم نوح!
تحدّثت سورة سبأ عن قوم سبأ ، والحكاية واقع وعبرة في نفس الوقت. إنّ هذا البلد يقع في مسير المياه الحاصلة من المطر ، ولأجل الحدّ من أضرار الأمطار الغزيرة بنى هذا القوم سداً ترابياً لجمع المياه الزائدة والافادة منها عند الحاجة ، وشقوا قنوات وسواقي من هذا السدّ إلى
__________________
(١) رغم أنَّ الاحتمالات الثلاثة غير متمانعة مع مضمون الآية الشريفة ، إلّا أنّه باعتبار الآية السابقة لها فإنَّ الأول هو الأصح ، وذلك لأن الآية السابقة (١١٦ من سورة آل عمران) تصرّح بموضوعها ، أي الكفّار.