أصل المعاد ؛ فإنَّ المعاد يبتني على الاختيار. وعليه ، إذا كان الناس جميعهم مجبورين ومسلوبي الاختيار فإنَّ الجزاء والجنة وجهنم والقيامة والمعاد كلها تكون مفاهيم دون معانٍ.
وفي النهاية ، لا يمكننا أنْ نكون مسلمين بالاعتقاد بالجبر ، كما لا يمكننا على أساسه قبول أصول الدين (١) ولهذا على الشيعة أن تشكر الله على أنَّه لم يوقعها ـ ببركة الائمة المعصومين عليهمالسلام ـ في وادي الجبر المظلم ، كما لم يتركها تتسيب في صحراء التفويض المظلمة ، بل سلك الله بالشيعة طريقاً بين المذهبين المنحرفين ، وهو طريق الحق المستقيم والواضح.
إنَّ ما تدل عليه الآية هو : أنَّ الخطوة الأولى للهداية والضلالة يخطوها الإنسان نفسه ، فاذا كانت هذه الخطوة باتجاه الهداية ، فإنَّه سيكون مشمولاً للهداية الربانية ، وإذا كانت هذه الخطوة باتجاه الضلالة فإنَّه سيكون مشمولاً للضلالة الربانية. سلمان الفارسي ـ مثلَاً ـ تحرك من إيران وخطى باتجاه منبع الهدى ، وتحمّل في هذا السبيل المشاكل إلى مستوى أنّه أُخذ رقاً ، لكن باعتبار أنّ خطاه الأولى كانت باتجاه الهداية ، شملته هداية الله وشرح الله صدره ونال ما نال من جرّاء ذلك.
أما أبو جهل وأبو لهب فرغم أنَّهما كانا بجنب منبع الهدى ، إلَّا أنَّ خطاهما الأولى كانت باتجاه العناد والعداوة ، أي اختارا طريق الضلالة تبعاً للشيطان وأغلقا أعينهما وأسماعهما للحيلولة دون رؤية أو سماع الحق ونداءه ، لذا شملتهما ضلالة الله وضيّق الله صدورهما وأظلمها.
وعلى هذا ، فإنَّ الهداية والضلالة نتيجة لخطى الإنسان الأولى ، والآية الشريفة كغيرها من الآيات لا تتنافى مع اختيار الانسان. (٢)
٢ ـ الاعجاز العلمي للقرآن في آية المثل
رغم أنَّ المُفسرين يعتبرون جملة (كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) كناية عن الأمر المحال وغير
__________________
(١) هناك عوامل كثيرة أدت للاعتقاد بالجبر ، للمزيد راجع كتابنا خمسين درساً في أصول العقائد ، بالفارسية الصفحة ١١٨ فما بعدها.
(٢) للمزيد راجع كتاب خمسين درساً عقائدياً ، الصفحة ١٣٧ فما بعدها.