الناس ثلاثة أصناف
لإِيضاح هذا المطلب (الذي يتناول قابليات الناس المختلفة) نأتي بكلام لأمير المؤمنين عليهالسلام مخاطباً فيه كميل بن زياد بعد ما دعاه إلى المقبرة ، وعند بلوغهما الصحراء قال الإمام له بعد أن تأوّه : «يا كميل بن زيادٍ إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها».
وكمثال نقول :
إنَّ الناس يختلفون في إفادتهم من المطر ، واحد منهم يفيد من المطر بمقدار بحيرة ماء ، وذلك لسعة ظرفيته والآخر يفيد منه بمقدار كأسٍ صغير ، وذلك لأنه لا يستوعب أكثر من ذلك. وقد يكون هناك شخص لا يفيد من المطر أبداً ، لأنه قد قلب إناءه على ظهره. والمثال يوضح أنَّ الإشكال ليس من جانب الله بل من جانب الأوعية التي تُهيّئ للافادة من ماء المطر .. ثمّ يخاطب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام كميل قائلاً : «فاحفظ عنّي ما أقول لك النّاس ثلاثة : فعالم ربّاني ومتعلم على سبيل نجاةٍ وهمجٌ رُعاعٌ» أي أنَّ الناس ثلاثة أصناف :
١ ـ الصنف الأول هو صنف العلماء الذين طووا طريق الحق والحقيقة ويسعون لارشاد الناس وتربيتهم.
٢ ـ والثاني هم الذين يفقدون العلم لكنهم يسعون في سبيل تحصيله العلم وكسب المعرفة.
٣ ـ والثالث هم الحمقى من الناس الذين لا يعلمون ولا يسعون لأن يعلموا ولا يسألون أهل الطريق لإرشادهم إليه.
يوضح الإمام خصال الصنف الثالث في أربع :
الف ـ أتباع كلّ ناعق ، أي يتّبعون أصحاب الرايات المختلفة دون علم وبصيرة.
باء ـ يميلون مع كلّ ريح ، فهم كالريح تهزّهم الدعوات المختلفة وتميلهم إلى جنبها ، ومثلهم كمثل الذين قاتلوا تحت راية الرسول في عصره ، وقاتلوا تحت راية معاوية بعد وفاته ، ولو كان الأجل يسمح لهم لقاتلوا تحت راية يزيد كذلك ؛ وذلك كله لأجل أن الريح آنذاك كان بهذا الاتجاه.
جيم ـ لم يستضيئوا بنور العلم ، فهم المستضعفون المحرومون من العلم.
دال ـ لم يلجؤوا إلى رُكن وثيق ، أي لا أنهم يفقدون العلم فحسب ، بل لا يعتمدون على أعمدته المحكمة. (١)
__________________
(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة ١٤٧.