وحسب ما يستشفُّ من الآية ، فإنَّ سبب تطفيف المطففين هو عدم اعتقادهم وايمانهم بيوم القيامة.
نعم ، إنَّ غير المؤمنين بيوم القيامة يحملون صفات سيئة وقبيحة. من هنا كان على الإنسان أن يخطو جميع خطاه في ظلّ منهج يتحكّم بسلوكه ويضبطه ، وإلّا فكثير هم الذين يقترفون الذنب وإن عظم لأجل كسب المال والمنافع ، مهما كانت تافهة وحقيرة.
(وللهِ المَثَلُ الأعْلَى) لأنَّه قدير لا يمكن هزمه ، كما أنّه حكيم وذات منهج قويم.
إنّ ذوي السلطة الظاهرية هم كثيراً ما يكونون غير حكماء ، ولا يفيدون من سلطتهم بشكل مطلوب.
إنَّ للسلطة آفات كثيرة ، منها الغفلة عن البرمجة والنظام والحكمة ، لكن الله القادر ـ وله أرفع قدرة وسلطة ـ هو الحكيم المطلق.
وعلى أساس هذا التفسير ، فالآية الشريفة لا تُعدُّ مثلاً.
التفسير الثاني
طبقاً لهذا التفسير ، انَّ مفردة المثل حافظت هنا على معناها اللغوي. إنَّ الذين لا يؤمنون بيوم القيامة والمعاد لا في العمل ولا في العقيدة ، لهم مثل السوء كالامثال التي ذكرت لهم في القرآن المجيد.
إنَّ المثل الذي ذكر في الآية ١٧ من سورة البقرة ، والذي كان في حق المنافقين ، هو من جملة الأمثال السيئة التي تُضرب لغير المؤمنين بالمعاد. يقول الله هنا : (مَثَلُهُم كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلمّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) (١)
ومن الأمثال التي جاءت في هذا المجال هو المثل المذكور في الآية ١٧٦ من سورة الاعراف ، حيث شبّه الله المشركين هناك بالكلب المريض الذي يلهث والذي لا يحترم الصديق ولا العدو.
__________________
(١) لقد مرّ شرح وتفسير هذا المثل وما بعده في أوائل الكتاب.