أليس هؤلاء أسرى أموالهم وثرواتهم وعبيداً لها؟!
هناك بعض يغتمون كثيراً ويقيمون العزاء لأجل حرمانهم من تجمّلات الدنيا وزخرفها! إن هؤلاء أسرى حقيقيون.
يوسف عليهالسلام إنسان حرٌّ
المستفاد من القرآن المجيد هو أنَّ زليخا (زوجة عزيز مصر) لم تكن الوحيدة التي دعته لتنفيذ رغباتها وشهواتها الشيطانية ، بل إنَّ كثيراً من نساء اشراف مصر وكبارها كنَّ يشجّعن يوسف عليهالسلام على إطاعة زليخا والقيام بهذا العمل الشيطاني ، لذلك جاء في كلام يوسف عليهالسلام : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلي مِمَّا يَدْعُونَنِي إليْهِ) (١)
هناك احتمالات في مضمون الكلام المستخدم لتشجيع يوسف عليهالسلام ، فقد يكون مضمون الكلام هو : (يوسف! أنت شاب وزليخا إمرأة جميلة فلما ذا لا تستسلم لها)؟ وقد يكون : (إذا لم تهو جمال زليخا وحسنها ، فلا أقل فكّر في مقامها وجاهها ، فانك قد ترتقي مقاماً من خلالها) ، وقد يكون : (إذا لم تكن من أهل الجمال والجاه والمقام ، فخف انتقام زليخا وطعنها بك).
أما يوسف الحر فقد قاوم هذه الوساوس التي تقمّصت ثياباً جميلة وجذابة ورجّح عبودية الله على أي شيء آخر وقال : (رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَى مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)
إلهي! إنَّ هذه النسوة الملوّثات يدعنني لتحمّل أسر الهوى والهوس ، وأنا أبغي الحرية وأحبها رغم أنّها قد لا تحصل إلّا في الزنزانات والسجون ، وذلك أحب إلي من أسر النفس الأمارة ، يا إلهي العظيم!
إنّ هذه المحنة عصيبة جداً وأنا غير قادر عليها لوحدي فلا تتركني دون عناية منك ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
انَّ الله أعان يوسف الحر وجعله يعيش الحرية في سجون العزيز ، التي اقترنت مع رفعة رأس وافتخار ، كما أنها كانت مقدمة لحكومته وسلطانه وإثبات نزاهته وطهارته.
__________________
(١) يوسف : ٣٣.