والعلماء والفقهاء وكلُّ من خطى خُطاهم موضع إتِّهام من قبل الجاحدين ومنكري الله ، ولا ينفكون دائماً عن إلصاق مختلف التهم والتخرُّصات والأكاذيب بهؤلاء الثلَّة من سالكي طريق الحق والحقيقة لغرض إبعاد طلَّاب المعارف الإلهية عنهم ، كما فعلوا ذلك عند الثورة الاسلامية في إيران وقد شهدنا الأعداء دائماً يلصقون التُّهم بالثوّار وبالامام رحمهالله وبأتباعه وأنصاره الأوفياء ، لكنَّا نعلم جميعاً أن حبل الكذب قصير ، ولا تبقى الحقيقة خافية دائماً.
من التهم التي الصقوها بالرسول صلىاللهعليهوآله تهمتان رائجتان سبق وأن اتُّهم بهما باقي الأنبياء ، وهما : ساحر ومجنون ، وفي ذلك يقول القرآن :
(كَذَلِكَ مَا أتى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلَّاقَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (١).
كما قلنا فإن هذه التهم والتخرُّصات ما كانت إلَّا لإغفال الناس ، لكنها لم تترك أثراً ، لذلك ما انفكوا عن تبديلها وتغييرها إلى مستوى التناقض أحياناً من قبيل نسبة السحر والكهانة والجنون للرسول وهي متناقضة ؛ لأن السحر والكهانة يستدعيان الذاكرة القوية والذهنية الناشطة ، ولا يمكن لمجنون أن يكون ساحراً أو كاهناً.
الحقائق المستبطنة في الاتهامات
في هذه الاتهامات حقائق مستبطنة ينشرها الأعداء بنحوٍ لا إرادي ، فهم ينسبون الجنون والسحر للرسول مثلاً ، وفلسفة هذه النسبة المستقبحة أنهم جاءوا للرسول وقالوا له : ما الهدف من دعوتك للدين الجديد؟ إذا كان هدفك جمع المال فسنعطيك مالاً تصبح به اغنى رجال مكة وإن كنت ترغب الزواج فسنزوّجك أفضل نساء مكة ، وإذا كنت ترغب في الرئاسة فسنجعلك رئيساً علينا.
لكن الرسول صلىاللهعليهوآله أجابهم بعبارته التالية : «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» (٢).
__________________
(١) الذاريات : ٥٢.
(٢) سيرة ابن هشام ١ : ٢٦٥.