(وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمةً وَلئِنْ رُدِدْتُ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً)
لقد أنكر هذا الرجل يوم القيامة بسبب تفاخره وغروره ونسيانه ربّ العالمين ، وبلغ جحوده مستوى أن قال لصديقه : لا أظن أنَّ هناك قيامة ، ولو كانت هناك قيامة كان ذلك يعني موتي وانفصالي عن أموالي وجنتي وزراعتي ، وأنا لا اريد الانفصال عن الدنيا لذلك أنكر يوم القيامة.
ثمّ قال : على فرض وجود قيامة فإنِّي سأكون من المقرّبين كذلك ، ولو لم أكن من المقرّبين لما أعطاني الله هذا المقدار من المال والثروة ، فكثرة الثروة دليل على قربي إلى الله في عالم الآخرة ـ على فرض وجوده ـ وسأكون هناك أقرب منك إلى ربِّ العالمين.
هذا هو ظن كثير من الأثرياء ، جهلاً منهم بأنَّ ذلك اختبار إلهي وقد يكون بلاءً.
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أكَفَرْتَ بالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمّ مِن نُطْفَة)
صديقة الفقير صاحب الصدر المشروح يرى رفيقه مريضاً فيهمُّ في علاجه بأساليب نفسانية جميلة لعلاج مرض الغرور فيه ، أي مرضه الأساس الذي سببته كثرة النعم ، ولو عالج مرضه هذا تعالجت باقي أمراضه.
طريقان لمعالجة الغرور
يمكن معالجة الغرور عن طريقين :
الاول : أن نرجع المغرور إلى ماضيه ، إلى طفولته ، حيث كان عاجزاً عن الاحتفاظ بلعاب فمه ، إلى الزمن الذي كان في رحم امّه ، حيث كان جنيناً يتغذّى من الدم ، وما كان أحد غير الله قادراً على مساعدته ، نرجعه إلى حيث كان نطفة قذرة ينفر الانسان من النظر إليها ، ونرجعه إلى حيث كان تراباً فاقداً للقيمة.
الثاني : أن نذكِّره بالمستقبل ونرسمه له ، فنأخذ بيده إلى المقبرة ونقول له : يرقد في هذه المقبرة اناس كانوا مثلنا أقوياء ومتموّلين لكنهم ماتوا في النهاية ، فتلاشت أجسامهم ولم يبق منها إلَّا العظام ، والعظام ستتآكل كذلك بمرور الزمان ولم يبق من الإنسان إلَّا الصخرة التي توضع على قبره ، والصخرة ستزول كذلك ولم يبق من الانسان إلَّا اسماً في التاريخ ، والتاريخ