قال : (آمَنْتُ أنَّهُ لَاإِلَهَ إلَّاالَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائِيلَ وَأنَا مِنَ المُسْلمين) (١) ، لكن توبته هذه لم تُقبل ، وقد ورد في بعض الروايات أن جبرئيل أخذ حمأة (أي طيناً أسود منتناً) فوضعه في فم فرعون وقال له : (أَلآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسدِينَ) (٢).
وهل من المناسب قبول توبة فرعون بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها من شق بطون الحوامل وقتل أولادهنّ الذكور ، والاجراءات الظالمة بحق الناس ومطاردة بني اسرائيل وتعذيب مؤمنيهم؟
إذن ، لا تُقبل التوبة على عتبة الموت وعند ما تفتح عينا الانسان نحو البرزخ.
(جيم : التوبة عند مشاهدة العذاب الإلهي)
كثير من الناس يتوب عند مشاهدة العذاب الإلهي ، وتوبة من هذا القبيل غير مقبولة.
يقول الله في هذا المجال في الآيات ٨٤ و ٨٥ من سورة المؤمن (غافر) :
(فَلَمَّا رَأوْا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا باللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأوْا بَأسَنَا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَت فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ)
لا تأثير للتوبة عند رؤية العذاب ، ولذلك لم تُقبل توبة قوم نوح عليهالسلام عند الطوفان ولا توبة قوم لوط عند نزول عذاب الأحجار التي تساقطت من السماء وكذا غيره من العذاب.
أعزّتي ، الموت لا يخبر عن وقت مجيئه ، بل هو يكمن في كلِّ لحظة من لحظات العمر ، وعوامله وأسبابه بسيطة جداً تتحقق لأي إنسان. ولذلك على الانسان أن ينوب إلى الله ويتوب توبة حقيقية في كل لحظة ، ولا يترك التوبة إلى زمن قد اغلقت فيه جميع أبوابها.
المستفاد من الآيات المتقدِّمة أنَّ رفض التوبة في ظل الظروف المزبورة لا يختص بقوم أو شعب أو نحلة ما ، بل هو سنة إلهية تجري في حق جميع الأقوام والشعوب والنحل.
٢ ـ لا قيمة للدنيا
يستفاد من آيات المثل أن لا قيمة ولا اعتداد بالأموال والمقام والثروات والقوى
__________________
(١) يونس : ٩٠.
(٢) يونس : ٩١ ، ومصدر الرواية تفسير الصافي ١ : ٧٦٣.