قد يكون ذلك باعتبار أنَّه أشار إلى عاقبة عَبَدَة الدنيا والذين غرقوا في مُتعها من خلال الآيات الاثنى عشر الماضية ، ولأجل اتّضاح أصل الحياة الدنيا طرح الله هذا المثل تعقيباً للمثل المتقدِّم.
(كَمَاءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)
يسقط هذا الماء على أرجاء الأرض كلها سواء كانت خصبة أو سبخة ، لكن الأراضي لم تستفد من هذا الماء بنحوٍ واحد ، فقد يكون هذا الماء سبباً للحياة في جزءٍ وقد يكون سبباً للعذاب الإلهي في جزءٍ آخر.
(فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ)
عند ما يسقط هذا الماء على الأراضي الخصبة يضفي عليها حياة وطراوة ونشاطاً وافراً ، فتنبت من جراء ذلك نباتات مختلفة ومتنوّعة ، كلٌّ منها تكشف عن قدرة الخالق ، وتتشكل بذلك مناظر طبيعية خلابة ومحيّرة للعقول في فصلي الربيع والصيف ، وتحرّض كل صاحب بصيرة لتمجيد الخالق وتحسينه.
(فَأصبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ)
لكن عمر الطراوة والنشاط ، الذي منحه الماء للنباتات وجمَّل الارض ، قصير ؛ لأنّه بعد أيام حيث يحلُّ فصل الخريف والشتاء ويتبدَّل الخضار إلى صفار والنشاط إلى خمول وموت ، وعند ما تهبُّ الرياح حاملة معها رسالة الموت الظاهري للطبيعة تتساقط أوراق الأشجار التي كانت تجمّل الطبيعة وتجعلها خضراء خلابة ، وبعد ما ترقص في الهواء للحظات تقع على الأرض لتُدفن في باطنها.
(وَكَانَ اللهُ عَلى كُلِّ شىءٍ مُقتدِرَاً)
بالطبع ، هذه التحولات والتغييرات التي تطرأ على الانسان وجميع الموجودات في العالم تحتاج إلى قدرة الله من حيث الوجود والبقاء ، فهي فقيرة إلى قدرته تعالى ، أمَّا ذات الحق فقادرة ومستطيعة دائماً ، ولا يؤثّر فيها مرور الزمان وتحوّلات الفصول والمناخات وغير ذلك ، بل الله بقدرته أوجد هذه التحوّلات ، وكل شيء يتغيّر إلَّا ذاته الطاهرة.
نعم ، الله قادر على كل شيء.