(المَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا)
البنون كالمال بمثابة رأس مال في الحياة الدنيا ، كما هو حال النباتات ففي برهة من الزمن تُعدُّ سبباً لجمال الأرض ويتباهى بها الانسان أحياناً ، لكنها ممَّا لا ينبغي الوثوق بها ، ولا ممَّا تسبب إنقاذ الانسان ونجاته في الدنيا وفي الآخرة.
(والبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ ربِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)
الرصيد الذي يمكن الاعتماد عليه والذي يُعد ذخراً حَسَناً عند الله تعالى هو الأعمال الصالحة الباقية التي عبَّر عنها الله في هذه الآية بالباقيات الصالحات.
نعم ، الأعمال الصالحة والقيم الثابتة تعدُّ رصيداً يعتمد عليه ، فهي ذات صبغة خالدة ولا خريف فيها ولا موت.
بأي شيءُ شبِّهت الحياة الدنيا؟
سؤال : بأي شيءً شُبِّهت الحياة الدنيا في هذه الآية؟ هل شبِّهت بالأشجار الطرية ذات العمر القصير والتي تموت بحلول فصل الخريف ، كما تقدَّم شرح ذلك ، أو أنَّها شبِّهت بماء المطر الذي ينزل من السماء شفافاً صافياً؟
إذا كان الثاني فعلينا معرفة وجوه الشبه بين الدنيا والمطر؟
الجواب : الإنصاف أنها شبِّهت بكليهما ، والمعنيان والتشبيهان صحيحان ، وقد تقدَّم تفصيل تشبيه الدنيا بالنباتات ، أما وجه تشبيهها بالغيث فهو كون الغيث ينزل من السماء وينصبُّ في قالب النباتات ، ويمنحها حياة ونشاطاً وقوة فتخضر الدنيا بها وتصبح زاهية بزهور النباتات ، وبعد مدَّة قصيرة من عمرها تتَّجه نحو الموت وتنتهي ويتبخَّر الماء ويتركها هيكلاً بلا روح متّجهاً نحو السماء تارة اخرَى ، وهذا هو الذي يُؤدي إلى موت النباتات.
نعم ، ينزل الغيث من السماء لكي يرسخ في صلب النباتات ويمنحها حياة ، وبعد مدَّة يرجع إلى السماء (إنَّا للهِ وإِنَّا إلَيْهِ راجِعُونَ) (١) عائداً إلى أصله ومحافظاً على سنة الرجوع والعود إلى الأصل.
__________________
(١) البقرة : ١٥٦.