(وَكَانَ الإنسانُ أكْثَرُ شَيءٍ جَدَلاً)
ما ذا يعني الجدل؟
الجدل يعني فتل الحبل فتلاً جيداً ، كما يطلق على المتصارعين ، باعتبار اشتداد وانفتال أحدهما بالآخر ، كما يُطلق على نقاش شخصين في القضايا الفكرية والمنطقية ، حيث تُفتل أفكار كلٍّ منهما بالآخر وتلتحم.
النتيجة : كون الجدل في البداية اطلق على فتل الحبل وشدّه ثم توسّع هذا المفهوم ليشمل كل انفتال مادي حتى لو كان من قبيل تصارع شخصين ، ثم اطلق على مفهوم أوسع ليشمل انفتال الأفكار بالنحو المشار إليه في الأسطر المتقدّمة.
استخدم القرآن ولغرض هداية الانسان أمثالاً متعدّدة ومتنوّعة ، لكن الانسان رغم ذلك يجادل في الحق ويقف أمامه أكثر من أي موجود شاعر آخر. الانسان موجود مجادل ، هذا هو سبب عدم تسليمه للحق وهو سبب جحود البعض في صدر الاسلام وعدم إيمانهم رغم سماعهم آيات القرآن من الرسول صلىاللهعليهوآله ورؤيتهم إيّاه كل يوم ، وظلوا هكذا حتى الموت. وقبال هؤلاء اناس آمنوا بمجرّد سماعهم آية من آيات القرآن دون أن يروا الرسول صلىاللهعليهوآله.
سبب ذلك واضح ، فالذين لم يؤمنوا كانوا اناساً مجادلين يقلبون الحقائق بالجدل ، أمَّا اولئك الذين آمنوا بالرسول لمجرّد جرعة واحدة من جرعات الهداية دون أن يروا الرسول فقد كانوا يبحثون عن الحقيقة والهدى ، وهذا هو الشرط الأساس للهداية.
أشار الله إلى هذا الموضوع المهم في بداية سورة البقرة وعبر جملة قصيرة حيث قال : (ذلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدَىً للمُتَّقِينَ) ؛ وذلك لأن المراد من التقوى في هذه الآية ليس المعنى المألوف والمصطلح بل المتقين هنا هم اولئك الذين خلت قلوبهم من العناد واللجاجة والجدل ، فالقرآن بالنسبة إلى هؤلاء سبب للهداية ، أمَّا أصحاب اللجاجة والعناد فما يزيدهم القرآن إلَّا ضلالاً فضلاً عن أن يكون سبباً لهدايتهم.
أمثال أبي لهب وأبي جهل لم ينهلوا من القرآن شيئاً ، وذلك لأنهم كانوا يفقدون أرضية النهل من بركات ونعم هذا الينبوع ، فإنَّ قابلية القابل شرط مضافاً إلى فاعلية الفاعل ، فكما أنَ