بعيدة يصعب الوصول إليها هو الشيطان الطاغي (١) ، فالمشرك إذا نجى من طيور الهوى والهوس قع أسيراً بريح الشيطان العاصي فيأخذ به إلى حيث لا ناصر ولا معين يعيش الضلال والشقاء.
٣ ـ لا هدوء للمشرك
جاذبية الأرض من نِعم الله علينا ، فهي تسبب أن يكون وزن لكل شيء ، ولولاها لما كان استقرار وثبات لشيء في الكرة الأرضية. المنازل والمزارع والمعامل والمدارس والمستشفيات مستقرَّة في مكانها بسبب وزنها والجاذبية التي ترد عليها. وهذه الجاذبية خاصة بالأرض وتقلُّ كلما ابتعدنا عن الأرض ومركزها ، والأشياء تفقد أوزانها خارج ميدان جاذبية الأرض ، ولذلك يدخل روّاد الفضاء دورات تعليم وتأقلم على الفراغ والفضاء الخالي من الجاذبية قبل رحلتهم الفضائية لكي يستعدوا لقضاء مدّة في الفضاء.
من سبل تجربة الفراغ وفقدان الجاذبية هو السقوط الحر من الأماكن المرتفعة ، عندها يجرّب الانسان حياة لم يجرّ بها سلفاً ، ولهذا يعتقد الأطباء أن كثيراً من الذين يسقطون من شاهق تحصل لهم سكتات قبل الوصول إلى سطح الأرض.
يشعر المشرك عند سقوطه من السماء بحالة الفراغ والخلو من الوزن ، وعندها تنتابه أحاسيس الاضطراب تخيّم على وجوده بالكلية ، ويبدو أن الذي ينفصل عن التوحيد ويتوجّه نحو الشرك يودّع الهدوء والطمأنينة ويلتقي بالاضطراب والقلق ، ولا يعود له الاطمئنان والهدوء إلّا تحت ظلِّ التوحيد وترك الشرك وعبادة الأصنام (أَلَا بِذِكَرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ) (٢).
وهذا أمر يقرُّ به حتى المشركون أنفسهم ، فقد جاء في الآية ٦٥ من سورة العنكبوت : (فَإذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ؛ وذلك لأنَّهم يعلمون جيداً بأنَّه لا أحد سيُرجع لهم الطمأنينة غير الله ، فيدعونه مخلصين له ، أمَّا الأصنام فيعلمون بعجزها عن إنقاذهم ، لكن
__________________
(١) انظر الأمثل ١٠ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.
(٢) الرعد : ٢٨.