(أَلا للهِ الدينُ الخَالِصُ وَالَّذِين اتّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلياءَ مَا نَعْبُدُهُم إلَّالِيُقرِّبُونا إلى اللهِ زُلْفى إنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَا هُمْ فيهِ يَخْتَلِفُون)
كما جاء ما يلي في الآية ١٨ من سورة يونس :
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤلاءِ شُفَعاؤنا عِنْدَ اللهِ)
وفقاً لما ورد في هاتين الايتين فانَّهم ما كانوا يعدون الأصنام خالقين ، بل كانوا يعتقدون بخالقية الله تعالى ، لكنهم كانوا يولونها قداسة خاصة ويعتبرونها شافعة وواسطة جيدة بينهم وبين ربّهم ، فهي تشفع لهم. هذا شأن غالب المشركين ، لكن بعضاً قليلاً منهم كانوا يعدون الأصنام خالقين ، أمَّا الأغلب فما كانوا يحملون هذه العقيدة ، وكانوا يعبدونها لأجل أن تقرّبهم إلى الله خالقهم ، فيطلبون منها السعادة والسلامة والسعة والبركة وما شابه ذلك ، وبذلك نسوا الله تدريجياً لتصبح الأصنام المعبود المستقل والمناجى الأصيل.
سؤال : البيانات المتقدَّمة أوضحت مدى تعقّد عمل المشركين ، لكن يبقى سؤال وهو : كيف يمكن للانسان العاقل أن يسجد لشيء صنعه بيده ويعتبره واسطة ينال به من فيض الله ، ويعتبره مقدّساً إلى درجة قد يضحّي لأجله انساناً آخر.
الجواب : لم تكن أصالة للأصنام في الأيام الاولى من بداية عبادتها ، أي بداية الانحراف الكبير ، فقد كانت عندهم نموذجاً للمقدسات. على سبيل المثال لو جاء نبي أو وصي إلى بلدة عُدَّ عندهم واسطة بينهم وبين الله تعالى وحضي باحترام خاص ، باعتبار هذه العلاقة ، وعند ما يتوّفاه الله يُصنع له نصب تذكاري لكي يستمر التقديس والاحترام ، لكن هذه العلاقة المفروضة تُتناسى بمرور الزمان بحيث يتَّخذ النصب ذاته طابعاً مقدساً ، ولا يتداعى في أذهان الناس العلاقة الاولى لصاحب النصب وخالقه ، بل يصبح النصب بذاته وعلى نحو الاستقلال مقدساً فيُعبد.
وهذا هو حال الانصاب والتماثيل التي تُصنع لغرض الإشارة إلى مصادر البركة والنور من الشمس والقمر وما شابه ، فإنها تُعبد تدريجياً وبعد مرور زمن. ومن هذا القبيل كذلك أن يؤتى بحجر من مكان مقدس مثل الكعبة فتوضع في مكان لكي يتذكّر الحاج سفره الروحاني إلى بيت الله متى ما انتبه إلى الحجر ، لكن بعد فترة من الزمن تُنسى هذه العلاقة ليصبح الحجر بعد ردح صنماً ومعبوداً بحد ذاته.