الآية التي هي موضع بحثنا بيان لضعف الأصنام وعجزها ، ولمزيدٍ من الإيضاح نشرع بتفسيرها.
الشرح والتفسير
(يَا أيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمِعُوا لَهُ)
التعبير بضرب مثل قد يكون لأجل أن هذا المثل الجميل وذات المغزى كان دارجاً بين الموحدين منذ الأزمان الماضية ولم يكن جديداً ، رغم ذلك طرحه الله هنا تارة اخرَى ؛ لكونه ذات طابع تربوي عالٍ ويحتوي على عبرٍ جيدة.
(إنَّ الَّذينَ تَدْعُون مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ)
الأصنام التي يعبدها المشركون ويسجدون ويركعون لها ضعيفة إلى درجة أنَّها غير قادرة على خلق ذبابة ، كحشرة صغيرة ، بل ان اصنام العالم كلها لو تكاتفت واجتمعت لأجل خلق ذبابة واحدة ما استطاعت عمل ذلك.
(وإنْ يَسْلُبُهُمُ الذُبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)
بل ضعف الأصنام أشدّ ممَّا ذكر ، فلو أنَّ الذباب أخذ من الأصنام شيئاً ما كانت قادرة على استرجاعه ، فهي لا إرادة لها ولا قدرة على عمل شيءٍ ما ، أي أنَّها لا تنفع ولا تضرُّ ولا قابلية لها لدفع الشر عن عبادها ؛ لأنَّها غير قادرة عن الدفاع عن نفسها فضلاً عن الغير.
يقال : كان المشركون في أيام خاصة من السنة ، كأيّام العيد يطلون أصنامهم بالعسل والزعفران أو بموادٍ مشابهة لهما مما يجعلها ملجأً ومصدر طعام للذباب ، وتستمر الذباب بالتردّد والحوم حول هذه الأصنام حتى آخر قطرة من العسل ، وإذا أخذت الذباب ذرة بسيطة من هذا العسل فإنَّ الصنم غير قادر على استرجاعه (١) ، ولهذا يخاطبهم الله قائلاً : إنَّها أصنام ضعيفة عاجزة عن استرجاع ما سُرِق منها من العسل ، فكيف يمكن للانسان أن يطلب منها العون والمساعدة.
__________________
(١) انظر الأمثل ١٠ : ٣٥٧.