أي أنهم يعلمون زخارف الحياة وزينتها وما ظهر منها ، ويجهلون باطنها الأجوف.
ومن نماذج السراب في حياة الانسان المعاصر هو الامراض النفسية الموحشة. نعلم بتقدُّم العلم والطب كثيراً في علاج الأمراض العضوية والبدنية ، كما أنه قضى على كثيرٍ من الأمراض التي كانت في العهود السابقة ، أمَّا الأمراض النفسية فقد أخذت بالانتشار ، ومن المحتمل أن يأتي يوم يستحيل فيه العثور على انسان سليم نفسياً ؛ لأنَّ سراب الحياة سلب منه النوم ، ولا يمكنه أن يغفو ساعات متوالية إلَّا بأقراص منوّمة.
تجاوز هذه الدنيا الفانية والخادعة يتم من خلال العمل بالوصفة الدقيقة للطبيب الكبير المعالج لهذه الأمراض ، أي الامام علي عليهالسلام ، حيث قال : «تَخفَّفُوا تَلْحَقُوا» (١).
الاسفار القديمة كانت تتمُّ على نحو قوافل ، وما كان يتوفّق فيها إلَّا مَن كانت أمتعته قليلة وخفيفة وإلَّا يتخلَّف عن القافلة في مراحلها الاولى ، والامام عليهالسلام يرى شأن السفر في الدنيا نحو الآخرة شأن السفر مع القافلة ، فمن خفّف فيها استطاع اللحاق بها وإلَّا تخلّف.
٢ ـ الاسلام دين النوعية لا الكمية
لم يطلب الاسلام أعمالاً كثيرة من المسلمين بل طلب منهم أعمالاً خالصة ، ولهذا قد توضع يوم الآخرة تلاً من الأعمال في الميزان لا تزن شيئاً. نفس الاشخاص يوزنون كذلك من حيث الاخلاص ، وفي هذا المجال جاءت الرواية التالية : «إنَّه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة» (٢).
إذن ، ما يوليه الاسلام من أهمية هو عمق العمل ، ولهذا لا يوصي الاسلام بالكثرة والكمية أبداً بل بالكيفية والنوعية.
يقول الله تعالى في الآية السابعة من سورة هود :
(لَيَبْلُوكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً) ، داعياً الانسان من خلال هذه الآية إلى الاهتمام بنوعية العمل وكيفيته.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢١.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٤٩٧.