لَمَجْنُونٌ) (١) وكانوا يستهدفون من ذلك عدم اخذ الناس هذا الدين مأخذاً جدياً ، وعدم الاعتناء والتصديق بكلام الرسول ؛ إلّا أنّ المسلمين رغم هذه الاتهامات كانوا يزدادون يوماً بعد اخر ، وكان الناس وبخاصة الشباب (٢) منهم يصغون لكلام الرسول وينجذبون اليه ، لذلك باءت مواجهتهم في هذه المرحلة بالفشل ، وباتوا يفكرون بمواجهة أخرى ومرحلة أخرى من التصدي.
المرحلة الثانية : نسبة السحر والشعر للرسول صلىاللهعليهوآله
بما أنّ الكفار لم ينجحوا في الحد من تأثير الرسول على الناس ، من خلال المرحلة الاولى من المواجهة ، بادروا إلى التصدي له بنعته بالكذب والشعر والسحر. إنّ النسبة هذه تعني أنهم قالوا للناس : إنّ تأثير الرسول فيهم لأجل كونه ـ نعوذ بالله ـ ساحراً ذكياً وشخصية مرموقة ويجذب النفوس نحوه لعلمه بالشعر وامتهانه مهارة انشاده. ولو كان كلامه كلاماً عادياً ما كان يجذب الناس بهذه الشدة. يقول القرآن في هذا المجال في الاية ٤ من سورة (ص) : «(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذّابٌ) (٣)
لم توفّر آلية المواجهة هذه جميع الاهداف التي كانوا يستهدفونها ، وذلك لأن عدد المسلمين لا زال في تزايد مستمر والرجال والنساء والشباب والشيوخ لا زالوا يتوافدون على الرسول ليعلنوا الإسلام ، وكان نتيجة ذلك ان بادر الكفار إلى تغيير اسلوبهم في المواجهة.
__________________
(١) وقد تكررت هذه الإتهامات في آيات أخرى نقلاً عن المشركين ، وهي : الدخان : ١٤ والطور : ٩٢ ، والقلم : ٢ ، و ٥١ والتكوير : ٢١. ويستفاد من آيات القرآن ان اول مواجهة يخوضها المشركون والكفار لرسول يبعث لهم هي نسبة الجنون إليه. وللمزيد يمكن مراجعة الايات التالية : الذاريات : ٣٩ و ٥٢ ، الصافات : ٣٦ ، الشعراء : ٧٢ ، نوح : ٩.
(٢) لقد كان لجيل الشباب دور فاعل في تمكن الإسلام وامتداده في بقاع الارض ؛ وحالياً للشباب نفس الدور الذي كان للشباب في صدر الإسلام ؛ فما دام الشباب في حضن الإسلام لا خطر يواجه هذا الدين. ولهذا ينبغي العناية الخاصة بهذه الشريحة في بلداننا.
(٣) ان هذه التهمة لم تختص برسولنا ، بل شملت الكثير من الرسل حيث يقول الله في الاية ٥٢ من سورة الذاريات : (كَذِلك ما أتَى الّذين مِنْ قَبْلِهِم مِنْ رَسُولٍ إلّا قَالُوا سَاحِرٌ مَجْنُونٌ) وقد جاءت آيات كثيرة من القرآن متناولة الموضوع ذاته.