بِمَا تَعْمَلُون بَصِيْراً ، إذ جَاؤوكُم مِنْ فَوْقِكُم وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجرَ وتَظُنُّونَ باللهِ الظَّنُونا)
إنّ هذه الايات أهل للتأمل من حيث أنها تكشف عن معاناة المسلمين في صدر الإسلام.
وحسب هذه الآيات ، فإنّ العَدُو حاصر المدينة مِنْ جميع الجهات ، وقد بلغت اعدادات الاعداء وعدتهم إلى مستوى جعلت أبصار المؤمنين تزيغ ، وقلوبهم تبلغ الحناجر ؛ وذلك لأن المسلمين قليلون وعدتهم محدودة وأسلحتهم بسيطة ، وهذا هو السبب في نفوذ الرعب والخوف في قلوب ضعاف الايمان من المسلمين حيث كانت عبارات التزلزل والشك تدور في اذهانهم وقد يكون المسلمون جميعاً باستثناء الرسول صلىاللهعليهوآله والإمام علي عليهالسلام وعدة قليلة من المسلمين تزلزلوا إيماناً. فان ضعيف الإيمان يتزلزل عند مواجهته لأزمة شديدة ، عكس قوي الايمان حيث يقوى ايمانه ويزداد ثباته عند مواجهة الأزمات والمشاكل.
إنّ معركة الاحزاب كانت ساحة للإختبار لتمييز المؤمنين الحقيقيين عن غيرهم من ضعاف الايمان والمترددين في إيمانهم. إنّ نهاية هذه المعركة كان لصالح المسلمين ولم تحصل مواجهة واراقة دماء الا في مورد واحد ، حيث قتل الإمام علي عليهالسلام عمرو بن ود.
عسكر الاعداء ابتلي باعصار شديد ، ولشدته كانت تقلع خيامهم من اماكنها وتقلب قدور الطعام ، كما سادهم خوف واضطراب وخيبة امل اجبرت أبا سفيان وغيره من زعماء الكفر على الرجوع كالجيش الخاسر ، وبذلك تحقق وعد الله بنصر المؤمنين تارة أخرى ، ونجى المؤمنون من خطر كبير كان يهدد وجودهم ودينهم ، فكان نصراً للمسلمين اضفى عليهم قدرة وعظمة جعلت مكة وضواحيها لا تفكر بعدئذ بحرب مع المسلمين. ولاجل هذا استسلمت بعد فترة من الزمن مكة واهاليها ليصبح الإسلام القوة الوحيدة في بلاد الحجاز.
المرحلة السادسة ، اللجوء إلى اخطر سلاح (النفاق)
رغم انتكاسة الاعداء في حرب الاحزاب وخسرانهم الحرب آنذاك ، ورغم ما ترتب على هذه الانتكاسة من عدم تفكيرهم بعدئذ بدخول حرب مع المسلمين ، إلّا أنّ ذلك ما كان يعني تركهم لمعارضة الإسلام ومخالفته. إنّ الأعداء ، اثر ادراكهم فشل وسائل المواجهة السابقة