لأجل أن يبيّن الله حماقة اليهود ولجاجتهم وكذا العلماء غير العاملين شبَّههم بالحمار الذي لا يفيد من الكتب التي يحملها على ظهره ، ولا يعرف عنها غير إحساسه بالثقل والتعب. وهل يمكن تصوّر حماقة أكثر من حماقة الشخص الذي يحمل علوماً دون أن يفيد منها طول عمره؟
٣ ـ سبب التعبير بالأسفار لا الكتب
الأسفار من مادة سِفر ، ويعني الكشف عن شيء ، ويُطلق على النساء غير المحجبات سافرات ؛ باعتبار كشفهنَّ عمَّا يجب ستره ، كما استخدمت هذه المادة في السفر (أي التنقل من مكان إلى آخر) ؛ باعتبار أن الانسان يكشف عن نفسه في السفر عكس ما كان عليه في الحضر حيث يكون مستوراً في محلته وبيته وبنايته التي يعيش فيها أو في السيارة التي يتنقل بها أو في دائرته أو معمله الذي يعمل فيه.
كما يُطلق على الكتاب سفر ؛ بإعتبار كشفه عن الحقائق والواقعيات والمعارف الانسانية.
الكتاب السماوي سبب لهداية الانسان نحو الحقيقة ويكشف له عن الواقع ، لكن الكثير من البشر لا نصيب له من هذا الكتاب إلَّا عناء حمله ونقله دون أن يفيد منه شيئاً.
٤ ـ الهداية تستدعي قابلية
كما تقدَّم ، فإنَّ الأنوار الإلهية تقدم من الله ، أمَّا القابليات فنحن نوجدها. لا خلاف في طبع الغيث اللطيف ، لكنه لا يُنبت الزهور أينما هطل ، بل الأمر يتوقّف على نوعية الأرض ، فاذا كانت سبخة فلا تنبت الإَّ الأعلاف ، وتنبت الزهور قطعاً إذا كانت خصبة.
لأجل ذلك قد يهتدي الانسان ويبلغ قلّة الكمال إثر سماعه كلمه صدرت من الرسول صلىاللهعليهوآله قبل أكثر من ألف سنة ، فإن انساناً من هذا القبيل يحمل قابلية الهداية. لكن أشخاصاً من قبيل أبي سفيان وأبي جهل قضوا عمراً إلى جنب الرسول صلىاللهعليهوآله وسمعوا منه مباشرة آيات كثيرة وبلغتهم مواعظه العديدة ، ولم يخطوا ادنى خطوة باتجاه الانسانية ، بل كانوا يبتعدون عن الانسانية شيئاً فشيئاً ليصبحوا كالأنعام بل أضل سبيلاً (١) ؛ وذلك لأجل انعدام القابلية فيهم.
__________________
(١) كما هو مضمون ما ورد في الفرقان : ٤٤.