واقرارهم بذلك ، بدأوا يفكرون بوسيلة ناجحة وفضلى للتخريب والدمار ، وما كانت وسيلتهم الجديدة إلّا النفاق.
إنّ الأعداء خسروا الحرب مع المسلمين ، وهو أمر جعلهم في النهاية يستسلمون ويفتضحون إلّا أنهم لم ينسوا حربهم مع الإسلام وعدائهم له ، وقد تستروا في هذه المرحلة من المواجهة بنقاب النفاق وانتظروا يترصدون الفرصة للنيل من الإسلام وانزال الضربة القاصمة فيه. والآية الشريفة الأولى من سورة المنافقين ناظرة إلى هذه المرحلة من المواجهة (إذا جاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسُولُ اللهِ والُله يَعْلَمُ إنّكَ لَرَسُولُه واللهُ يَشْهَدُ إنّ المُنَافِقِينَ لكَاذِبُونَ)
وبهذا الشكل تشكّل تيار النفاق ليصبح تدريجياً كالسيل الجارف ، (١) وظاهر هذه الآية وآيات أخرى هو أنّ النفاق بدأ من المدينة. لكن هذا لا يعني أنّ مكة كانت تخلو من النفاق والمنافقين ، فقد يملك البعض قدرة حدس وتخمين المستقبل وفكراً سياسياً قوياً ، وكان من خلال ذلك قد رأى النصر النتيجة الحتمية لنشاطات الرسول صلىاللهعليهوآله ، ولا يمكن بلوغ المقامات العليا آنذاك إلا من خلال التظاهر بالايمان الواقعي والقوي والتماشي مع هذا التيار.
نتائج الأمثال
يمكننا الخروج بالنتيجة التالية من الآيات الأربع للمثلين السابقين : (المنافق لا ثبات له) وانه يعاني من حالات نفسية منها الوحدة والخوف والوحشة والاضطراب والفضيحة ، كما تُتصور في حقه جميع الأخطار التي عدت للمسافر الذي ضلّ الطريق في الصحراء. أمّا المؤمن فيحضى بهدوء وسكينة واطمئنان خاص يحصل في ظلّ الإيمان الخالص بالله.
ما أحسن ما قال الله تعالى في هذا المجال : (الّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢)
__________________
(١) ان الثورة الاسلامية في ايران واجهت نفس المراحل الست ، وقد شهدناها قبل الثورة وبعدها فكان منها الاستهزاء بالامام الخميني (قده) واهانته ونفيه إلى الخارج والحصار الاقتصادي والحروب المسلحة الداخلية منها والخارجية ، والنهاية هو النفاق الذي كانت منظمة خلق ايران نموذجاً بارزاً له.
(٢) الأنعام : ٨٢.