وقد استُخدم هذا التعبير في حقّ الشهداء كذلك (عنْدَ ربِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) ، وآسية على عتبة الاستشهاد طلبت شيئاً هو جدير بالشهداء.
الثانية : (ونجِّني مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)
وهذه الطلبة تكشف عن أنَّ الذي كان يؤذي آسية ليس التعذيب والضغوط ؛ لأنها تبدو لا شيء أمام رضا الله ، بل الذي يؤذيها هو أعمال وأفكار وعقائد فرعون ، فهي لا تحتمل هذه العقائد القاصرة ، لذلك لا يحلو لها العيش بقرب فرعون ، فدعت الله لانقاذها منه.
في اللحظات الأخيرة من العمر وتحت أشد الضغوط والآلام أعلنت آسية عن استيائها من فرعون ومظالمه وجناياته.
الثالثة : (ونجّني مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ)
الطلبة الأخيرة لهذه المرأة الصالحة هي النجاة من المجتمع الفاسد الذي تعيش فيه ، أي لا أنها لا تنثني للمجتمع الفاسد ولا تتأقلم معه بل تعتبر التأقلم معه والانصياع له عاراً ، ولهذا أعربت عن استيائها منه في أعمالها وأقوالها.
الجمل الثلاث التي شكَّلت دعاء هذه المؤمنة والعارفة في اللحظات الأخيرة من عمرها جميلة ودقيقة ومحسوبة ، وبإمكان هذه الجمل أن تنير درب المؤمنين من الرجال والنساء ، فهي تنفي ما يتمسك به البعض من ذريعة الضغط الذي يواجهه الانسان من قبل المجتمع أو الزوجة لترك طاعة الله ولالتزام التقوى.
خطابات الآية
١ ـ الاستقلال الفكري
لماذا آمنت آسية بربِّ موسى رغم كونها تعيش في قلب الشرك وإلى جنب فرعون؟
كيف استطاعت هذه المرأة الثورية الصبورة أن تخرق الحجب جميعها وتبلغ الدين الحق؟
سرّ موفقيتها يكمن في استقلالها الفكري ، فما تركت المسائل الهامشية تؤثِّر سلباً على
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.