وقد شهد التاريخ لعلماء أصبحوا شمعة أضاءت درب المؤمنين وزرعت الأمل في قلوبهم إثر تركهم التقية.
٣ ـ التعذيب عامل تكامل أو وسيلة قهر!
يتوسّل الجبابرة والظلمة بوسائل شتى للمنع عن الحقائق والخضوع لها ، والتعذيب واحدة من تلك الوسائل. استخدم فرعون أقسى أنواع التعذيب في حقِّ آسية لكي يثنيها ويثبط عزمها وإرادتها الحديدية ويردها عن اتِّخاذ دين الحق ، ورغم كونها امرأة إلَّا أنَّها صمدت وقاومت وواجهت جميع حيل فرعون حتى آخر لحظات عمرها ، عكس ما عليه ضعيفو الإيمان ، حيث يستسلمون إثر أدنى نوع من التعذيب.
من المسلَّم به أن لا وجود لجهاز ودنيا أعظم زخرفة وأكثر جبروتاً من جهاز فرعون ، كما أنه لا تعذيب ولا اضطهاد أعظم ممَّا مارسه فرعون المجرم ، لكن لا زخرفة دنيا فرعون وجبروته أثنت آسية المؤمنة ولا اضطهادة ولا تعذيبه ، بل قد جعلت من التعذيب ـ الذي هو وسيلة للقهر ـ وسيلة لتكاملها ، وأفدت بنفسها في طريق العشق الإلهي.
قصة إيمان آسية
ذهبت آسية ملكة مصر بصحبة فرعون إلى مشاهدة سحر السحرة ومعجزة موسى عليهالسلام في ساحة المدينة ، فألقى السحرة حبالهم وعصيهم التي كانت مملوءة بالزئبق لتتحرّك إثر حرارة الشمس ولتبدو أفاعي حقاً (١) ، فرح الناس واستأنسوا بعد ما حصل هذا وصفقوا للسحرة وأطلقوا شعارات لصالح فرعون.
لكن لم يمضِ وقت طويل على الفرحة وعلى إغواء الناس حتى جاء الدور إلى موسى عليهالسلام ، فألقى بعصاه ، امتثالاً لأمر الله ، فبدت حية كبيرة بلعت كل ما كان ألقاه السحرة من العصي والحبال وتحرّكت باتجاه فرعون.
__________________
(١) كما أشارت إلى ذلك الآية ٦٦ من سورة طه.