فوارق هذا المثل مع المثلين المتقدِّمين
رغم أن الأمثال الثلاثة المذكورة في سورة التحريم تابعت هدفاً واحداً ، وهو بيان الملاك الأساسي لنجاة الانسان ، أي الضوابط الالهية لا العلاقات والانتساب بأولياء الله ، إلَّا أنها متباينة فيما بينها.
كان الحديث في المثل الاول عن امرأتين مشركتين أدبرتا عن الضوابط الإلهية فدخلتا جهنم مع الداخلين ، ولم ينفعهما علاقتهما بزوجيهما اللذين كانا من كبار أنبياء الله ، والمثل تحذير لضعفاء الايمان الذين تمسكوا بالانتساب لبعض أولياء الله.
في المثل الثاني كان الحديث عن أمرأة صبورة ومقاومة ، قد تمسكت بالتعاليم الإلهية وما أكترثت بشيء إلَّا برضا الله ، ولم تنتسب إلى أحدٍ من أولياء الله ، بل إلى طاغوت ، فقد كانت زوجة فرعون الأكثر ظلماً في البشرية ، رغم ذلك لم تؤثّر هذه العلقة وهذا الانتساب في عزمها وإرادتها ، وكان قرارها التزام الإيمان بالله وحفظه حتى آخر لحظة من حياتها.
وهذا المثل يُضرب لمن عاش في عائلة ومحيط غير مساعد ، تكثر فيه العقبات والموانع الموضوعة في طريق الإيمان ، فالاقتداء بها يعني تجاوز الموانع والانتصار عليها وعدم التشبُّث بها كذرائع.
الحديث في المثل الثالث عن إمرأة عفيفة تمتعت بامتياز الانتساب وكذا العمل بالضوابط الإلهية في أعلى مستوياتها ، ولهذا عُدَّت اسوة.
مزيد ايضاح : البيئة التي كانت تعيشها آسية غير مناسبة ولا تساعد على انعقاد الإيمان من جميع الجهات ، فقد كانت تعيش منزلاً يُعدُّ بؤرة للكفر والشرك والعناد والوثنية ، وما كان يسمع فيه صوت التوحيد أبداً ، وكان زوجها يعدُّ نفسه ربّاً أعلى (١) بل ربّ الأرباب ، أمَّا البيئة التي كانت تعيشها مريم فكانت بيئة طاهرة ومفعمة بالإيمان ، وقد كانت تسمع الترنمات الإلهية وهي جنين في بطن امِّها.
ينقل القرآن المجيد مناجاة ام مريم في الآية ٣٥ من سورة آل عمران كما يلي :
__________________
(١) كما ورد ذلك في سورة النازعات : ٢٤.