جاء في بعض كتب التاريخ أنّ أبا طالب (رضي الله عنه) مرض يوماً وكان محمد ابن أخيه منشغلاً بالتبليغ خارج البيت فاتى اشراف قريش ابا طالب بحجة العيادة له وقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وقد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن اخيك فانه سفّه احلامنا وشتم الهتنا.
فدعا ابو طالب رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : يا بن أخي! هؤلاء قومك يسألونك فقال : «ما ذا يسألونني»؟ قالوا : دعنا وآلهتنا ندعك وإلهك. فقال صلىاللهعليهوآله : «أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب والعجم»؟ فقال ابو جهل : لله أبوك نعطيك ذلك عشر أمثالها. فقال : «قولوا لا إله الا الله». فقاموا وقالوا : أجعل الالهة الهاً واحداً. (١)
وهو يدعوهم للتوحيد في عبارته الأخيرة.
الشرح والتفسير
شُبِّه الكفار في هذا المثل القرآني بالحيوانات ؛ ولاجل تبرير هذا التمثيل اكد على تقليدهم التام والأعمى لأسلافهم.
يقول الله في الآية ١٧٠ من سورة البقرة : (وَإذَا قِيْلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألفَيْنَا عَلَيْهِ آبائَنا أوَلَو كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ)
وكأنّه يَقول : يا جهّال! هل أنَّ اتباعكم للاسلاف الذين لا يعقلون شيئاً اتّباع عن بصيرة؟! ثم يمثل الرسول (عند ما يقرأ الايات على هذا القوم المشرك) بالراعي الذي ينادي رعيته بالاصوات لتوجيه حركتها ، إلّا أنَّ هذه البهائم لا تعقل من كلامه شيئاً إلَّا الأصوات التي تتأثر بها ، فاذا كانت اصوات الراعي شديدة وذات ايقاع قوي اثرت في البهائم وإلّا فلا. إنّ مثل المشركين كمثل هذه البهائم لا تفهم ما تقرأه عليهم من المعاني والمفاهيم الرفيعة لكنهم يفهمون الأصوات وموسيقى كلامك فحسب لذا يستمرون في تقليدهم الأعمى للاسلاف.
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٣٤٣ طبع مؤسسة الاعلمي بيروت.