الحياة المشتركة ، أمّا القيم الأساسية والمهمة في الحياة العائلية ، وهي التربية والثقافة والفكر والقيم المكتسبة في البيت فيبرز دورها في المراحل اللاحقة من حياة الإنسان. والجميلة إذا لم تتميز بسيرة حسنة واخلاق جميلة بدلت محيط العائلة المقدس إلى جهنم يصعب تحملها.
كما شاهدنا في الايات والروايات السابقة ، فإنَّ الإنسان شبّه بالنبات الذي ينمو ويتكامل ، وبهذا يمكن أنْ نستدل على أنَّ المُراد من المشبَّه في الآية هو الإنسان نفسه. وفي النتيجة يكون مفهوم الآية كالتالي : أيها الإنسان أنت كالنبات والإنفاق بمثابة الماء الذي يسقي النبات ليمنحه حياة ونمواً. وبعبارة أخرى : إنَّ الانفاق يُحيي في الإنسان الصفات العليا مثل السخاء والعطاء والمروة والانصاف والشجاعة وغير ذلك.
إنَّ هذه الصفات في البداية تكون (فعلاً) أو عملاً مجرداً ، واذا ما تكررت تصبح عادة وفي صورة الاستمرار تصبح (حالات) وفي النهاية تكون (ملكة) (١) وجزءاً من وجود الإنسان.
وعلى هذا ، فالانفاق ، قبل ان تكون له عوائد مادية ، له مردودات معنوية ، وكلما كان الانفاق عن اخلاص اشد وكلما كان اطهر وانسب كلما كانت هذه المردودات اكثر وأوسع. وقد نكون جميعاً جربنا عطاءنا مسكيناً لم يصّرح بحاجته لنا مقداراً من المال (رغم حاجتنا له) وجدنا في ذلك لذة معنوية احسسناها بكل وجودنا ، وبلغنا إثر ذلك هدوءاً باطنياً وحالة روحانية ومعنوية خاصة.
ذلك هو النمو والتعالي الذي تشير اليه الآية من خلال مثلها. إنَّ الله القادر والحكيم بامكانه أنْ يغني الجميع ويجتث جذور الفقر من المجتمعات ، لكنه شاء أن تكون هناك فجوة بين الفقراء والأغنياء يسعى المؤمنون في ملئها ليروا آثار أعمالهم الحسنة وبركات انفاقهم في الدنيا ويشعروا بهذه الاثار ويبلغوا اثر ذلك الدرجات العليا من الكمال والمعنوية. وعلى هذا فلا نمن على الله بالانفاق ولا على المنفق عليه ، بل الله هو الذي يمن علينا أنْ وفقنا لهذا العمل العظيم (اللهم وفقنا لما تحب وترضى).
__________________
(١) ان الملكة تعني (الصفة الراسخة في البدن) ، وتوضيح ذلك : إذا حصلت للانسان هيئة خاصة من جراء فعل ما قيل لهذه الهيئة : (كيفية نفسانية) ، واذا كانت هذه الكيفية سريعة الزوال قيل لها : (حال) ، واذا كانت بطيئة الزوال كانت ملكة أو عادة (موسوعة دهخدا ينقلها عن الجرجاني).