«لكن وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك» (١) أي أنَّ أهليته للعبادة هي التي دفعت الامام للعبادة لا الخوف والطمع.
إنَّ النوع الاول من العبادة هو عبادة العبيد ؛ لأنَّ العبد يَمتثل الاوامر خوفاً من مولاه وسوطه. والنوع الثاني من العبادة هو عبادة التجار ؛ لأنَّ العبادة هنا يُتوخَّى منها الثمن والعوض. والنوع الاخير من العبادة هو عبادة الاحرار ، حيث إنَّ اطاعتهم لمولاهم لا خوفاً ولا طمعاً بل لله خالصة. (٢)
وقد تكون الآية الشريفة هنا ناظرة إلى النوع الاخير من العبادة ، أي أنَّ الإنفاق هنا لم يتوخَّ منه إلّا وجه الله ورضوانه.
الثاني : الدافع الثاني للمنفقين في الآية الشريفة هو بلوغ الكمالات النفسانية والملكات الروحانية ، حيث قالت الآية : (تَثْبِيتاً لأنْفُسِهِمْ) ، وقد جاء في مفردات الراغب أنَّ التثبيت يعني التقوية والتحكيم. بالطبع ليس المراد من التثبيت في الدعاء (اللهُمَّ ثَبِّتْ أقْدَامَنَا) هو تقوية الاقدام وتحكيمها ، بل المراد تقوية خطى الاقدام وتحكيم هذه الخطى. (٣)
خطابات الآية
١ ـ في هذا المثل شُبِّه المنفِق بالجنة (٤) والبستان الذي يقع في ارضٍ مرتفعة ، وفي هكذا أرض توجد عدة خصائص هي كالتالي :
الف ـ نور الشمس من العوامل المهمة لنمو النباتات ، والارض المرتفعة تنال نور الشمس من كل صوب ؛ لأنه لا شيء يحول دون السطوع المباشر عليها.
__________________
(١) بحار الانوار ٦٧ : ١٨٦.
(٢) هذا مضمون لكلمة قصيرة للامام علي عليهالسلام في نهج البلاغة الكلمة ٢٣٧.
(٣) الآية (٢٦٥ من سورة البقرة) شاهد اخر على ما ذهبنا إليه في المثل السادس من أنَّ المشبّه ليس المال المنفق بل نفس الشخص المنفق ، فإنَّ الآية هنا تصرح في تشبيه شخصية المنفِق بالجنة (البستان).
(٤) الجنة من مادة (جن) وتعني التستر ، وقد استخدمت في البستان باعتبار أنَّ اشجاره تستر الأرض وتغطيها. وعلى هذا ، فليس كل بستان جنة. واطلاق مفردة (الجن) على الموجود المعروف باعتبار أنه غير مرئي بل مستتر ومختفي. واطلاق المجنون على من سلب عقله باعتبار ان عقله يتحجم ويتعطل ويتستر.