لا ريب انّ هذه اللفظة قد استعملت في هذه الموارد ، ولكن جميعها ترجع إلى أصل واحد وهو من فوض إليه أمر الشيء المربوب ، فلو قيل لصاحب الدار ومالكها ربّ الدار ، فلأنّ أمرها مفوض إليه ، ولو أطلق على المصلح والسائس ، فلأنّ بيد هؤلاء أمر التدبير والإدارة والتصرف ، فلو قال يوسف في حقّ عزيز مصر : (إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثْواي) (١) ، فلأجل انّ يوسف نشأ في إحضانه وقام بشؤونه.
ولو وصف القرآن اليهود والنصارى بأنّهم اتخذوا أحبارهم أرباباً ، وقال : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) (٢) ، فلأجل انّهم تسلّموا زمام سلطة التشريع وتصرّفوا في الأموال والأعراض كيفما شاءُوا.
إنّه سبحان وصف نفسه ، بقوله : (ربُّ السَّماواتِ والأَرْض) (٣) ، وقال أيضاً : (رَبّ الشعرى) (٤) كلّ ذلك لانّه تعالى مدبرها ومديرها ومصلح شؤونها والقائم عليها.
وهذا البيان يكشف النقاب عن المعنى الحقيقي للرب ، وهو المعنى الجامع بين هذه الموارد. أعني : من فوِّض إليه أمر الشيء من حيث الخلق والتدبير والتربية ، وبذلك يعلم ما في كلام ابن فارس من تفسيره بالخالق ، فانّه خلط بين المعنى ولازمه فالخالق ليس من معاني الرب.
نعم خالق كلّ شيء يعدّ مربياً ومدبراً.
وثمة نكتة جديرة بالاهتمام ، وهي : أنّ الوهابيين قسَّموا التوحيد إلى التوحيد
__________________
(١) يوسف : ٢٣.
(٢) التوبة : ٣١.
(٣) الرعد : ١٦.
(٤) النجم : ٤٩.