حطام الدنيا ، فهذا النوع من الأعمال لا يمكن الشهادة عليها حتى بنفس الحضور عند المشهود عليه؟
وهذا يدفعنا إلى القول بأنّ لشهداء الأعمال عامة والنبي الخاتم خاصة قدرة غيبية خارقة يطّلع من خلالها على أعمال العباد ظاهرها وباطنها وذلك بقدرة من الله سبحانه ، وعلى ذلك فهذه الشهادة عبارة عن الاطلاع على أعمال الناس في الدنيا من سعادة أو شقاء ، وانقياد وتمرّد ، وإيمان وكفر ، وأداء ذلك في الآخرة يوم يستشهد الله من كلّ شيء حتى من أعضاء الإنسان ، وعند ذلك يقوم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرآن مَهْجُوراً).
فإذا كانت الشهادة بهذا المعنى فلا ينالها إلّاالأمثل فالأمثل من الأُمّة ، لا الأُمة بأسرها ، وعلى ضوء ذلك فيكون المراد من قوله سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَعَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً) (١) هم الكاملين من الأُمّة لا المتوسطين وما دونهم.
وأمّا نسبة الشهادة إلى قاطبة أُمّة النبي ، في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسطاً) فليس بشيء بديع ، إذ ربّما يكون الوصف لبعض الأُمّة وينسب الحكم إلى جميعهم ، كما في قوله سبحانه في حقّ بني إسرائيل : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) على الرغم من أنّ الملوك فيهم لم يكن يتجاوز عددهم عدد الأصابع.
وثمة حديث منقول عن الإمام الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً) يؤيد هذا المعنى «الشهادة للأمثل» : «فإن ظننت أنّ الله عني بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين ، أفترى انّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ،
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.