وممّا (١) ذكرنا ظهر : أنّ المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة :
______________________________________________________
(١) الظاهر أنّ المراد بالموصول رواية ربعي الحاكية لوقف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين ، وإلّا لم يتقدم من المصنف قدسسره سوى عدم جواز بيع الوقف ، ولم يذكر منشأ هذا المنع ، وأنه تعلّق حقّ الله تعالى وحقّ الآدمي بالعين الموقوفة.
وعلى كلّ فيستفاد الحقوق الثلاثة المذكورة في المتن من رواية ربعي.
أمّا حق الواقف فلأنّه عليهالسلام جعل ماله صدقة جارية ينتفع بها دائما ، وبيعه ينافي هذا الحق.
وأمّا حق البطون اللّاحقة ، فلقوله عليه الصلاة والسلام : «وعاش عقبه» فإنّه يدلّ على ثبوت الحق للبطون اللاحقة.
وأمّا كونه متعلق حق الله تعالى فلاعتبار القربة إنّ الوقف صدقة ، والصدقة يعتبر فيها قصد القربة. فهذه الحقوق الثلاثة تمنع عن البيع فيه.
ثم إنّ المحقق صاحب المقابس قدسسره نبّه على مانعيّة هذه الحقوق الثلاثة بقوله : «قد اجتمع في الوقف حق الواقف لدوام ثوابه بدوام الانتفاع بالعين ، وحقّ الله ، لأن الصدقات لله ، وحق الموجودين وباقي الطبقات .. إلخ» (١).
وتوضيح تعلق هذه الحقوق بالوقف هو : أمّا حقّه تعالى فيمكن أن يراد به أنّ له تعالى حقّ أن يعبد ، فكما أنّ جعل أرض مسجدا أو مكانا للعبادة يوجب حقّا للموقوف عليه بالعبادة فيه ، فكذا يوجب حقّا له بأن يعبد فيه. وهذا واضح في وقف مشاعر العبادة.
وكذا الحال في الوقف على الذرية ، فإنّ غرض الواقف التصدق على الذرية بنحو الاستمرار ، وهذه الصدقة عبادة مستمرة من الواقف ، فله تعالى حقّ أن يعبد به مستمرّا ويثاب به الواقف.
وأن يراد به أنّ الآخذ للصدقات ـ ومنها الوقف بأقسامه ـ هو تعالى ، بشهادة قوله عزّ من قائل (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) وما ورد من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله. ثم تلا هذه الآية : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ)» (٢). والمستفاد منه أنّ الصدقة تكون له تعالى أوّلا ، ثم
__________________
(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٦٢.
(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٠٣ ، الباب ٢٩ من أبواب الصدقة ، ح ٣.