(لَوْ لا) هلا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ). وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذبونهم عن أنفسهم. وإنما جاز الفصل بين (لَوْ لا) وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه ما لا يتسع في غيره ، وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله. (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) كما يقول المستيقن المطلع على الحال.
(لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) من جملة المقول تقريرا لكونه كذبا فإن ما لا حجة عليه كذب عند الله أي في حكمه ، ولذلك رتب الحد عليه.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)(١٥)
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره ، والمعنى لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم الّتي من جملتها الإمهال للتوبة (وَرَحْمَتُهُ) في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدران لكم. (لَمَسَّكُمْ) عاجلا. (فِيما أَفَضْتُمْ) خضتم. (فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) يستحقر دونه اللوم والجلد.
(إِذْ) ظرف (لَمَسَّكُمْ) أو (أَفَضْتُمْ). (تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه يقال تلقى القول كتلقفه وتلقنه ، قرئ «تتلقونه» على الأصل و (تَلَقَّوْنَهُ) من لقيه إذا لقفه و (تَلَقَّوْنَهُ) بكسر حرف المضارعة و (تَلَقَّوْنَهُ) من إلقائه بعضهم على بعض ، و (تَلَقَّوْنَهُ) و «تألقونه» من الألق والألق وهو الكذب ، و «تثقفونه» من ثقفته إذا طلبته فوجدته و «تقفونه» أي تتبعونه. (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ) أي وتقولون كلاما مختصا بالأفواه بلا مساعدة من القلوب. (ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) لأنه ليس تعبيرا عن علم به في قلوبكم كقوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ). (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) سهلا لا تبعة له. (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) في الوزر واستجرار العذاب ، فهذه ثلاثة آثام مترتبة علق بها مس العذاب العظيم ، تلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك وهو عند الله عظيم.
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٨)
(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا) ما ينبغي وما يصح لنا. (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) يجوز أن تكون الإشارة إلى القول المخصوص وأن تكون إلى نوعه ، فإن قذف آحاد الناس محرم شرعا فضلا عن تعرض الصديقة ابنة الصديق حرمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (سُبْحانَكَ) تعجب من ذلك الإفك أو ممن يقول ذلك ، وأصله أن يذكر عند كل متعجب تنزيها لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ثم كثر فاستعمل لكل متعجب ، أو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها فيكون تقريرا لما قبله وتمهيدا لقوله : (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها.
(يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) كراهة أن تعودوا أو في أن تعودوا. (أَبَداً) ما دمتم أحياء مكلفين. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإن الإيمان يمنع عنه وفيه تهييج وتقريع.
(وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالأحوال كلها. (حَكِيمٌ) في تدابيره ولا يجوز الكشخنة على نبيه ولا يقرره عليها.