(٢٥) سورة الفرقان
مكية وآيها سبع وسبعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(٢)
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير ، أو تزايد على كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله ، فإن البركة تتضمن معنى الزيادة ، وترتيبه عن إنزاله (الْفُرْقانَ) لما فيه من كثرة الخير أو لدلالته على تعاليه. وقيل دام من بروك الطير على الماء ومنه البركة لدوام الماء فيها ، وهو لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى و (الْفُرْقانَ) مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقريره أو المحق والمبطل بإعجازه أو لكونه مفصولا بعضه عن بعض في الإنزال ، وقرئ «على عباده» وهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمته كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ) أو الأنبياء على أن (الْفُرْقانَ) اسم جنس للكتب السماوية. (لِيَكُونَ) العبد أو الفرقان. (لِلْعالَمِينَ) للجن والإنس. (نَذِيراً) منذرا أو إنذارا كالنكير بمعنى الإنكار ، هذه الجملة وإن لم تكن معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى المعلوم وجعلت صلة.
(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بدل من الأول أو مدح مرفوع أو منصوب. (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كزعم النصارى. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) كقول الثنوية أثبت له الملك مطلقا ونفي ما يقوم مقامه وما يقاومه فيه ثم نبه على ما يدل عليه فقال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أحدثه إحداثا مراعى فيه التقدير حسب إرادته كخلقه الإنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة. (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) فقدره وهيأه لما أراد منه من الخصائص والأفعال ، كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك ، أو (فَقَدَّرَهُ) للبقاء إلى أجل مسمى. وقد يطلق الخلق لمجرد الإيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده حتى لا يكون متفاوتا.
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً)(٤)
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) لما تضمن الكلام إثبات التوحيد والنبوة أخذ في الرد على المخالفين فيهما. (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) لأن عبدتهم ينحتونهم ويصورونهم. (وَلا يَمْلِكُونَ) ولا يستطيعون. (لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا) دفع ضر. (وَلا نَفْعاً) ولا جلب نفع. (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) ولا يملكون إماتة أحد وإحياءه أولا وبعثه ثانيا ومن كان كذلك فبمعزل عن الألوهية لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها ، وفيه تنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على البعث والجزاء.