(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) يعني شرف النبوة والزلفى عند الله ، وقيل الجنة ، وقيل السماء السادسة أو الرابعة.
(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٥٨)
(أُولئِكَ) إشارة إلى المذكورين في السورة من زكريا إلى إدريس عليهمالسلام. (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بأنواع النعم الدينية والدنيوية (مِنَ النَّبِيِّينَ) بيان للموصول. (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) بدل منه بإعادة الجار ، ويجوز أن تكون (مِنَ) فيه للتبعيض لأن المنعم عليهم أعم من الأنبياء وأخص من الذرية. (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) أي ومن ذرية من حملنا خصوصا ، وهم من عدا إدريس فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح. (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) الباقون. (وَإِسْرائِيلَ) عطف على (إِبْراهِيمَ) أي ومن ذرية إسرائيل ، وكان منهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ، وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية. (وَمِمَّنْ هَدَيْنا) ومن جملة من هديناهم إلى الحق. (وَاجْتَبَيْنا) للنبوة والكرامة. (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) خبر ل (أُولئِكَ) إن جعلت الموصول صفته ، واستئناف إن جعلته خبره لبيان خشيتهم من الله وإخباتهم له مع ما لهم من علو الطبقة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله تعالى. وعن النبي عليه الصلاة والسلام «اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكو فتباكوا». والبكي جمع باك كالسجود في جمع ساجد. وقرئ «يتلى» بالياء لأن التأنيث غير حقيقي ، وقرأ حمزة والكسائي (بُكِيًّا) بكسر الباء.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٥٩)
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء يقال خلف صدق بالفتح ، وخلف سوء بالسكون. (أَضاعُوا الصَّلاةَ) تركوها أو أخروها عن وقتها. (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) كشرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والانهماك في المعاصي. وعن علي رضي الله عنه في قوله (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) : من بنى الشديد ، وركب المنظور ، ولبس المشهور. (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) شرا كقوله :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما |
أو جزاء غي كقوله تعالى : (يَلْقَ أَثاماً) أو غيا عن طريق الجنة ، وقيل هو واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها.
(إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٦١)
(إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) يدل على أن الآية في الكفرة. (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب على البناء للمفعول من أدخل. (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ولا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم ، ويجوز أن ينصب (شَيْئاً) على المصدر ، وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم.
(جَنَّاتِ عَدْنٍ) بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها ، أو منصوب على المدح ، وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وعدن لأنه المضاف إليه في العلم أو علم للعدن بمعنى الإقامة كبرة ولذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله : (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) أي وعدها إياهم وهي غائبة عنهم ، أو وهم غائبون عنها ، أو وعدهم بإيمانهم بالغيب. (إِنَّهُ) إن الله. (كانَ وَعْدُهُ) الذي هو الجنة. (مَأْتِيًّا) يأتيها أهلها الموعود لهم لا محالة ، وقيل هو من أتى إليه إحسانا أي مفعولا منجزا.