(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(١٢)
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) لأنه كان بمدرعة صوف لا كم لها. وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أي يقطع. (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) آفة كبرص. (فِي تِسْعِ آياتٍ) في جملتها أو معها على أن التسع هي ، الفلق ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، والجدب في بواديهم ، والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون. أو اذهب في تسع آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به. (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثا أو مرسلا. (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل للإرسال.
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(١٤)
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) بأن جاءهم موسى بها. (مُبْصِرَةً) بينة اسم فاعل أطلق للمفعول ، إشعارا بأنها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت مما يبصر ، أو ذات تبصر من حيث إنها تهدي والعمي لا تهتدي فضلا عن أن تهدي ، أو مبصرة كل من نظر إليها وتأمل فيها. وقرئ «مبصرة» أي مكانا يكثركم فيه التبصر. (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) واضح سحريته.
(وَجَحَدُوا بِها) وكذبوا بها. (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) وقد استيقنتها لأن الواو للحال. (ظُلْماً) لأنفسهم. (وَعُلُوًّا) ترفعا عن الإيمان وانتصابهما على العلة من (جَحَدُوا). (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)(١٥)
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) طائفة من العلم وهو علم الحكم والشرائع ، أو علما أي علم. (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) عطفه بالواو إشعارا بأن ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النعمة كأنه قال : ففعلا شكرا له ما فعلا (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ). (الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني من لم يؤت علما أو مثل علمهما ، وفيه دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الّذي لم يؤت غيرهما ، وتحريض للعالم على أن يحمد الله تعالى على ما آتاه من فضله وأن يتواضع ويعتقد أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير.
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١٧)
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) النبوة أو العلم أو الملك بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر. (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) تشهيرا لنعمة الله وتنويها بها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة الّتي هي علم منطق الطير وغير ذلك من عظائم ما أوتيه ، والنطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه ، أو التبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد ، فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه ،