النهار. (وَإِنِّي عَلَيْهِ) على حمله. (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) لا أختزل منه شيئا ولا أبدله.
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(٤٠)
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) آصف بن برخيا وزيره ، أو الخضر أو جبريل عليهماالسلام أو ملك أيده الله به ، أو سليمان عليهالسلام نفسه فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب في : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) للعفريت كأنه استبطأه فقال له ذلك ، أو أراد إظهار معجزة في نقله فتحداهم أولا ثم أراهم أنه يتأتى له مالا يتأتى لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم ، والمراد ب (الْكِتابِ) جنس الكتب المنزلة أو اللوح ، و (آتِيكَ) في الموضعين صالح للفعلية والاسمية ، «والطرف» تحريك الأجفان للنظر فوضع موضعه ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف كما في قوله :
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا |
|
لقلبك يوما أتعبتك المناظر |
وصف برد الطرف والطرف بالارتداد ، والمعنى أنك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك ، وهذا غاية في الإسراع ومثل فيه. (فَلَمَّا رَآهُ) أي العرش (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) حاصلا بين يديه. (قالَ) تلقيا للنعمة بالشكر على شاكلة المخلصين من عباد الله تعالى (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) تفضل به عليّ من غير استحقاق ، والإشارة إلى التمكن من إحضار العرش في مدة ارتداد الطرف من مسيرة شهرين بنفسه أو غيره ، والكلام في إمكان مثله قد مر في آية «الإسراء». (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) بأن أراه فضلا من الله تعالى بلا حول مني ولا قوة وأقوم بحقه. (أَمْ أَكْفُرُ) بأن أجد نفسي في البين ، أو أقصر في أداء مواجبه ومحلها النصب على البدل من الياء. (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ويحط عنها عبء الواجب ويحفظها عن وصمة الكفران. (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عن شكره. (كَرِيمٌ) بالإنعام عليه ثانيا.
(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ)(٤٢)
(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) بتغيير هيئته وشكله. (نَنْظُرْ) جواب الأمر ، وقرئ بالرفع على الاستئناف. (أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) إلى معرفته أو الجواب الصواب ، وقيل إلى الإيمان بالله ورسوله إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليها الحراس.
(فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) تشبيها عليها زيادة في امتحان عقلها إذ ذكرت عنده بسخافة العقل. (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ولم تقل هو هو الاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها. (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) من تتمة كلامها كأنها ظنت أنه أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها فقالت : وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه الحالة ، أو المعجزة مما تقدم من الآيات. وقيل إنه من كلام سليمان عليهالسلام وقومه وعطفوه على جوابها لما فيه من الدلالة على إيمانها بالله ورسوله حيث جوزت أن يكون ذلك عرشها تجويزا غالبا ، وإحضاره ثمة من المعجزات الّتي لا يقدر عليها غير الله تعالى ولا تظهر إلا على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أي وأوتينا العلم بالله وقدرته وصحة ما جاء به من عنده قبلها وكنا منقادين لحكمه ولم نزل على دينه ، ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم في ذلك شكرا الله تعالى.