على (كُلِ) وبعض للزوم الإضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد إلى حقه منصوب المحل بننزعن ، ولذلك قرئ منصوبا ومرفوع عند غيره إما بالابتداء على أنه استفهامي وخبره (أَشَدُّ) ، والجملة محكية وتقدير الكلام : (لَنَنْزِعَنَ) من كل شيعة الذين يقال فيهم أيهم أشد ، أو معلق عنها لننزعن لتضمنه معنى التمييز اللازم للعلم ، أو مستأنفة والفعل واقع على (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) على زيادة من أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة ، وإما بشيعة لأنها بمعنى تشيع وعلى للبيان أو متعلق بافعل وكذا الباء في قوله :
(ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أي لنحن أعلم بالذين هم أولى بالصلي ، أو صليهم أولى بالنار. وهم المنتزعون ويجوز أن يراد بهم وبأشدهم عتيا رؤساء الشيع فإن عذابهم مضاعف لضلالهم وإضلالهم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص (صِلِيًّا) بكسر الصاد.
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهاجِثِيًّا)(٧٢)
(وَإِنْ مِنْكُمْ) وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرئ «وإن منهم». (إِلَّا وارِدُها) إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهي خامدة وتنهار بغيرهم. وعن جابر رضي الله عنه أنه عليهالسلام سئل عنه فقال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض : أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار ، فيقال لهم : قد وردتموها وهي خامدة». وأما قوله تعالى : (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) فالمراد عن عذابها. وقيل ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها. (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) كان ورودهم واجبا أوجبه الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعدا لا يمكن خلفه. وقيل أقسم عليه.
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) فيساقون إلى الجنة وقرأ الكسائي ويعقوب ننجي بالتخفيف ، وقرئ ثم بفتح الثاء أي هناك. (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) منهارا بهم كما كانوا ، وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم ، وتبقى الفجرة فيها منهارا بهم على هيئاتهم.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)(٧٣)
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) مرتلات الألفاظ مبينات المعاني بنفسها أو ببيان الرسول صلىاللهعليهوسلم أو واضحات الإعجاز. (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) لأجلهم أو معهم. (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) المؤمنين والكافرين. (خَيْرٌ مَقاماً) موضع قيام أو مكانا. وقرأ ابن كثير بالضم أي موضع إقامة ومنزل. (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) مجلسا ومجتمعا والمعنى أنهم لما سمعوا الآيات الواضحات وعجزوا عن معارضتها والدخل عليها ، أخذوا في الافتخار بما لهم من حظوظ الدنيا والاستدلال بزيادة حظهم فيها على فضلهم وحسن حالهم عند الله تعالى ، لقصور نظرهم على الحال وعلمهم بظاهر من الحياة الدنيا فرد عليهم ذلك أيضا مع التهديد نقضا بقوله :
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً)(٧٤)
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) و (كَمْ) مفعول (أَهْلَكْنا) و (مِنْ قَرْنٍ) بيانه ، وإنما سمي أهل كل عصر قرنا أي مقدما من قرن الدابة. وهو مقدمها لأنه يتقدم من بعده ، وهم أحسن صفة لكم و (أَثاثاً) تمييز عن النسبة وهو متاع البيت. وقيل هو ما جد منه والخرثي ما رث والرئي المنظر فعل من الرؤية لما يرى كالطحن والخبز ، وقرأ نافع وابن عامر «ريا» على قلب الهمزة وإدغامها أو على أنه من الري الذي هو النعمة ، وقرأ أبو بكر «رييا» على القلب ، وقرئ «ريا» بحذف الهمزة وزيا» من الزي وهو الجمع