وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)(٧٨)
(إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوى وكان ممن آمن به. (فَبَغى عَلَيْهِمْ) فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره ، أو تكبر عليهم أو ظلمهم. قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل ، أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى عليهالسلام : لك الرسالة ولهارون الحبورة وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله. (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ) من الأموال المدخرة. (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) مفاتيح صناديقه جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ، وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح. (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) خبر إن والجملة صلة ما وهو ثاني مفعولي آتى ، وناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله ، والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة واعصوصبوا اجتمعوا. وقرئ «لينوء» بالياء على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه. (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) منصوب ب «تنوء». (لا تَفْرَحْ) لا تبطر والفرح بالدنيا مذموم مطلقا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها ، فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح كما قيل :
أشد الغمّ عندي في سرور |
|
تيقّن عنه صاحبه انتقالا |
ولذلك قال تعالى : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ، وعلل النهي ها هنا بكونه مانعا من محبة الله تعالى فقال : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي بزخارف الدنيا.
(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ) من الغنى. (الدَّارَ الْآخِرَةَ) بصرفه فيما يوجبها لك فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها. (وَلا تَنْسَ) ولا تترك ترك المنسي. (نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك. (وَأَحْسِنْ) إلى عباد الله. (كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) فيما أنعم الله عليك. وقيل (أَحْسِنْ) بالشكر والطاعة (كَما أَحْسَنَ) إليك بالإنعام. (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) بأمر يكون علة للظلم والبغي ، نهي له عما كان عليه من الظلم والبغي. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) لسوء أفعالهم.
(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال ، و (عَلى عِلْمٍ) في موضع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها ، وقيل هو الكيمياء وقيل علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب ، وقيل العلم بكنوز يوسف ، و (عِنْدِي) صفة له أو متعلق ب (أُوتِيتُهُ) كقولك : جاز هذا عندي أي في ظني واعتقادي. (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) تعجب وتوبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأه في التوراة وسمعه من حفاظ التواريخ ، أو رد لادعائه للعلم وتعظمه به بنفي هذا العلم عنه أي أعنده مثل ذلك العلم الّذي ادعى ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين. (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة ، كأنه لما هدد قارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه واغنى أكد ذلك بأن بين أنه لم يكن مطلعا على ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم معاقبهم عليها لا محالة.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ) (٨٠)