(٢٩) سورة العنكبوت
مكية وآيها تسع وستون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(٢)
(الم) سبق القول فيه ، ووقوع الاستفهام بعده دليل استقلاله بنفسه أو بما يضمر معه.
(أَحَسِبَ النَّاسُ) الحسبان مما يتعلق بمضامين الجمل للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك اقتضى مفعولين متلازمين أو ما يسد مسدهما كقوله : (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) فإن معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم (آمَنَّا) ، فالترك أول مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم (آمَنَّا) هو الثاني كقولك : حسبت ضربه للتأديب ، أو أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم (آمَنَّا) بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف ، كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والثابت في الدين من المضطرب فيه ، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات ، فإن مجرد الإيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب. روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين ، وقيل في عمار وقد عذب في الله تعالى ، وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(٤)
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) متصل ب (أَحَسِبَ) أو ب (لا يُفْتَنُونَ) ، والمعنى أن ذلك سنة قديمة جارية في الأمم كلها فلا ينبغي أن يتوقع خلافه. (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) فليتعلقن علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا في الإيمان والذين كذبوا فيه ، وينوط به ثوابهم وعقابهم لذلك وقيل المعنى وليميزن أو ليجازين ، وقرئ «وليعلمن» من الإعلام أي وليعرفنهم الله الناس أو ليسمنّهم بسمة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) الكفر والمعاصي فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح. (أَنْ يَسْبِقُونا) أن يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم وهو ساد مسد مفعولي (حَسِبَ) لاشتماله على مسند ومسند إليه ويجوز أن يضمن (حَسِبَ) معنى قدر أو أم منقطعة والإضراب فيها لأن هذا الحسبان أبطل من الأول ولهذا عقبه بقوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس الّذي يحكمونه ، أو حكما يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص بالذم.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٥)
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) في الجنة ، وقيل المراد بلقاء الله الوصول إلى ثوابه ، أو إلى العاقبة من الموت